من الصعب الفصل بين مساعي مؤسسات كيان العدو وقادته لتعزيز الشعور بالأمن لدى الجمهور الإسرائيلي، وبين جولة لجنة الخارجية والأمن على مستوطنات الشمال. فمهمات اللجنة على علاقة بالأمن القومي، وتتفرع عنها لجان فرعية سرية تتناول العقيدة القتالية والجهوزية العسكرية وكل ما له صلة بهذا المفهوم.
وأبرز ما لفت في الجولة التفقدية المواقف التي تخللتها، على لسان رئيسها آفي ديختر وعدد من أعضائها، وآخرين. وهي مواقف تعكس هواجس المؤسسة الحاكمة والجمهور الإسرائيلي على حد سواء. إذ تواجه إسرائيل أكثر من تحدٍّ يتصل ببناء جهوزية الجبهة الداخلية، سواء على الحدود أو في العمق. فمن جهة، تحتاج إلى مصارحة الجمهور بحجم التهديد كجزء من عملية الإعداد، وفي الوقت نفسه، تريد الحفاظ على قدر من الثقة بقدرة الجيش على توفير الحماية المطلوبة.
لذلك، يحاول المسؤولون الإسرائيليون إمساك العصا من الوسط، عبر اختيار نقطة توازن تسمح لهم بالجمع بين الصراحة والطمأنة. وتجلى هذا المفهوم أيضاً في الحديث عن سيناريو توغل حزب الله في الجليل. إذ تتحدث التقارير الرسمية وغير الرسمية عن استعدادات الجيش لسيناريو سيطرة مقاتلي الحزب على مستوطنة لعدة ساعات.
بغض النظر عن الخطط التي يعدّها حزب الله، إلا أن إسرائيل تكتفي بالحديث عن سيناريو محدد بهذا المستوى، كونه يعطي انطباعاً بأن أقصى ما قد يستطيع الحزب القيام به هو السيطرة على مستوطنة ولعدة ساعات فقط. وفي الوقت نفسه تكون المؤسسة الإسرائيلية قد ناورت فعلياً على الاستعداد لكل مستوطنة موجودة في الجليل، وأدت المهمة المطلوبة بأقل قدر من الأضرار النفسية.
في المقابل، لوحظ خلال الجولة وجود انطباع بأن الجمهور، بعد عشر سنوات من البناء والجهوزية، لا يزال يشعر بأن دولته مستعدة لمواجهة «حزب 2006»، وليس «حزب 2017» الذي يمتلك قدرات صاروخية متطورة جداً، على مستوى الدقة والتدمير والمدى.
ولعل أحد أهم إنجازات حزب الله على مستوى فرض معادلات جديدة في الصراع، أنه فرض على كيان العدو، حقيقة لم يعد قادراً على تجاهلها، وهي أن الجبهة الداخلية باتت جزءاً من جبهات القتال. وهو ما ساهم حتى الآن في ردع العدو عن شن اعتداءات واسعة، وتقييد خياراته العملانية، وبات حاضراً بقوة في رسم سيناريوهات أي حرب، انطلاقاً من أنه ليس من مصلحة إسرائيل خوض مواجهة طويلة الأمد في مقابل طرف يملك قدرات تدميرية هائلة. انطلاقاً من هذا التقدير، شدد رئيس اللجنة، آفي ديختر، أنه «ممنوع أن تتحول الجبهة الداخلية في أي مواجهة مع حزب الله الى جبهة قتال أمامية». وهو ما يفسر حتى الآن تردد وامتناع صانع القرار في إسرائيل عن المبادرة إلى خيارات عملانية واسعة على مستوى المنطقة.
على خلفية زيارة اللجنة، اعتبر رئيس منتدى خط المواجهة، سيون يحيئيل، «نحن اليوم مستعدون لما كان في عام 2006، لكن لا للسيناريوهات الجديدة، التي تتحدث عن هجمات برية وأنواع التسليح الجديدة والدقيقة لدى حزب الله، والتي ستحدث دماراً كبيراً» في إسرائيل. ولفت يحئيل إلى أن «المناعة العسكرية مرتبطة بالمناعة المدنية والمناعة المدنية مرتبطة بازدهار المنطقة».
من جهته، رأى عضو اللجنة، وعضو الكنيست، ايال بن رؤوبين، أن «فرضية العمل» التي تنطلق منها إسرائيل هي «أن المعركة في الجبهة الشمالية أمر حتمي» في إشارة إلى أن المسألة مسألة وقت طال أو قصر. ولكنه أقر بأن «مشكلة الجهوزية والتحصين بشكل خاص، لا تتلاءم مع (حجم) التهديد، بشكل واضح».
بدوره أكد رئيس اللجنة، آفي ديختر، بأن التهديد الذي يمثله حزب الله في الشمال، «لا يشبه ما حصل في 2006». ولفت إلى أنه «رغم سقوط المئات من مقاتليه في سوريا، لا يزال الجهة التي تتعلم القتال هناك بشكل مغاير». موضحاً أن الأمر «لا يرتبط فقط بتعاظم الأسلحة، وإنما أيضاً، تعاظم الأفكار والرغبة في تنفيذ عمليات هجومية».
وأكد ديختر أن اللجنة حوَّلت اهتمامها نحو الجبهة الشمالية، مشيراً إلى أن كون «عاصمة اصبع الجليل (كريات شمونه) ضعيفة يعني أن كل اصبع الجليل ضعيف». وحذر من أن الحديث لا يدور عن «مستوطنة محاذية للسياج. هذا ليس سياجاً خاصا بهاً، وإنما سياج وحدود للدولة، وبالاستناد الى ذلك، يجب أن تكون المسؤولية لتمويل عناصر الأمن فيها».