لم يكن الجيش يوماً أكثر وضوحاً مع فصائل مخيم عين الحلوة كما هو اليوم: «سلِّموا المطلوبين تسلَموا». لكن، هل يتحقق هذا المطلب؟ وهل بتحقُّقه ينعم المخيم بالهدوء؟ هل تملك الفصائل الفلسطينية القدرة أو لديها جرأة اتخاذ خطوة كهذه؟ وماذا ستفعل القوى الإسلامية؟ هل ستلتزم بحكم عدم تسليم «إخوة الدين إلى دولة كافرة»؟
والمثال الذي تضربه قيادات إسلامية هنا هو رفض الملا محمد عمر تسليم الشيخ أسامة بن لادن ورفاقه، مفضّلاً دمار أفغانستان على تسليم من التجأوا إليه! وفي الأصل، هل يحمل الإسلاميون وحدهم وزر التوتّر في مخيم الشتات الأكبر؟ تزدحم الأسئلة وسط اقتناع راسخ لدى قاطني عين الحلوة بأن قدر مأواهم أن يبقى ورقة ضغط وساحة كباش يُحرق متى استدعت الحاجة. إذاً، كيف سيكون المَخرَج؟ هل هناك ضمانات تلقّتها استخبارات الجيش لمنع تكرار التسويف لتمييع القضية، لا سيما أن الفصائل استخدمت مصطلح «العمل على إخراج المطلوبين اللبنانيين»، عوضاً عن «تسليم المطلوبين»؟ وهنا تزخر الذاكرة بأمثلة وشواهد يوم كانت الفصائل على اختلافها تنفي وجود مطلوبين بارزين في المخيم، من القيادي في كتائب عبدالله عزام ماجد الماجد إلى شادي المولوي وفضل شاكر، ليتبين عكس ذلك لاحقاً. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر استخبارات الجيش لـ«الأخبار» أن «القيادة العسكرية لن ترضى بالحل الوسط»، كاشفة أن «الاتفاق يقضي بتسليم المطلوبين اللبنانيين أو تكفّل إخراجهم من المخيم في مرحلة أولى، تليها مرحلة لاحقة تطال المطلوبين الفلسطينيين الثابت بالدليل ضلوعهم في أعمال إرهابية». ما الضامن لذلك؟ سؤال تجيب عنه المصادر بأن لا ضمانات، كاشفة عن مشكلة تعتري آلية التنفيذ. كيف ستُنفّذ الفصائل تعهّدها؟ من أين سيخرج هؤلاء؟ كيف سيُجبَر المطلوبون على الخروج؟ ماذا إن رفضوا؟ هل تذهب الفصائل إلى خيار المواجهة معهم؟ هل هناك خارطة طريق محددة بزمن؟ تتعدد الأسئلة من دون وجود جواب شاف، لا سيما أن المصادر الأمنية تؤكد أنها «لن تسهّل خروج المطلوبين، إنما الغاية توقيفهم لتقديمهم إلى العدالة».
رغم كل ما سبق، لن يهدأ مخيم عين الحلوة. لن يخرج جميع المطلوبين منه. ولن تجرؤ الفصائل الفلسطينية (باستثناء قلّة قليلة) على تسليم أي مطلوب بارز. والجمر سيبقى كامناً تحت الرماد. هذا قدر كُتب على قاطني «عاصمة الشتات»، لا سيما أن جميع الحلول المجترحة قاصرة. فالحل داخل المخيم لا يمكن أن يكون أمنياً صرفاً. الأمان الاجتماعي أصل المشكلة. لقد بات القاصي والداني يعلم أنه من أصل نحو مئة ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في مخيم عين الحلوة، هناك ألف مطلوب في الحد الأقصى بموجب أفعال جرمية متنوعة (الغالب فيها حوادث إطلاق نار في الهواء). ومن أصل هؤلاء الألف، هناك ما لا يزيد على ثلاثين مطلوباً يُصنّفون خطرين بالمعيار الأمني. ومن هؤلاء الثلاثين الأخطر، لا يتجاوز عدد الأساسيين المنتمين إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» عشرة في أحسن الأحوال. ليس هذا فحسب. ولو سلّمنا جدلاً بأن هؤلاء جميعهم خرجوا وسلّموا أنفسهم، ما الذي سيمنع آخرين من سلوك الطريق نفسه؟ البطالة والمظلومية هنا الصانع الأول للإرهاب. معظم شباب المخيم غارقون في الديون. لا يجدون عملاً يوفر لهم قوت يومهم. ليس عندهم أحلام بتأسيس عائلة أو بناء مستقبل. يتماهون مع آخرين يُقتلون بعيداً عن أرضهم. قلة منهم «تتسلى» ببيع السلاح وشرائه، فيما يبحث آخرون عمّا يشغلون به أوقاتهم. يفاقم من سوء الوضع أن المطلوبين للدولة اللبنانية، من غير المتورطين في الإرهاب، ممنوعون من دخول المخيم. بعضهم يحتجز نفسه في بقع جغرافية ضيقة ومحددة خشية تعرضهم للتصفية على أيدي فصائل أخرى، ربما لأسباب ثأرية. هكذا يعيش هؤلاء في جحيم الأرض يحلمون بالخلاص. يعيش هؤلاء إحباطاً لا يُشبه أيّ إحباط. يحاول بعضهم الاحتيال على الحياة ليعيش. وعلى سبيل الطرفة، يعلم كُثر من أهل المخيم أن عدداً من الأسماء البارزة إعلامياً في عالم الإرهاب المختبئة داخل المخيم، لا تعدو كونها «دخلت الكار بهدف التكسّب». يقول قيادي إسلامي لـ«الأخبار»: «إن معظم الأسماء التي جرى تداولها في الإعلام مؤخراً طرقت باب تنظيمي النصرة والدولة طمعاً بمبالغ مالية قد يُرسلها هؤلاء».
أبرز المطلوبين في المخيم هم شادي المولوي، فضل شاكر، هلال هلال، عبد فضة، محمد جمعة، توفيق طه، هيثم الشعبي، محمد الشعبي، جمال رميض، أسامة الشهابي، بلال بدر وآخرون. ورغم ذلك، يلعب بعض هؤلاء دور الإطفائي حرصاً على المخيم. العقلاء بينهم يرون في أيّ اشتباك تهديداً وجودياً لهم، لا سيما أن تدمير المخيم سيشرّد أهلهم قبل الآخرين، فيما قسم منهم متورط فعلياً في عمليات أمنية.
تجدر الإشارة إلى أن وسيلة إعلامية نقلت تصريحات عن لسان المولوي تزعم فيها أنه قال إنه لن يخرج من المخيم وإنه مستعد لتفجير نفسه، إلا أن قيادياً إسلامياً مقرّباً من المولوي أكّد أن التصريحات مفبركة وأن التقرير هدفه التحريض على المخيم. يشار إلى أن أهالي المخيم يستعدون للاعتصام نهار الأحد ضد جدار الفصل الإسمنتي ومنظمة الأونروا التي لا تزال مكاتبها مقفلة منذ الاشتباك الأخير.