حتى صباح السبت الماضي، في 11 آذار، كانت أشغال البناء لا تزال متواصلة، بسرعة قياسية، في مبنى "الإيدن باي ريزورت" على شاطئ الرملة البيضاء. هذه الأشغال جرت في الليل كما النهار ليجري صبّ سقف الطبقة السادسة الأخيرة (بالإضافة إلى الطبقة السفلية) من المبنى المذكور، على الرغم من صدور قرارين من مجلس شورى الدولة يقضيان بوقف تنفيذ "الرخصة" الممنوحة لـ"شركة Eden Bay"، خلافاً للقوانين المرعية الإجراء.
بناءً على مراجعة تقدمت بها جمعية "الخط الأخضر"، بالتعاون مع جمعية "المفكرة القانونية"، أصدر مجلس شورى الدولة قراره الأول في 8/2/2016، ووجد فيه "صفة ومصلحة" للجهة المدعية لطلب وقف التنفيذ (وكان هذا تطور مهم) ووجد في مراجعتها أسباباً جوهرية تقضي بتلبية طلبها. إلا أن محافظ بيروت، القاضي زياد شبيب، خالف القرار القضائي ورفض تنفيذه، بحجّة أنه منح المشروع رخصة تعديلية "جديدة". تواصلت الأشغال في الورشة بوتيرة أسرع من السابق، في تحدٍّ فاضح للسلطة القضائية، ما اضطر الجهة المدعية إلى تقديم مراجعة أخرى، استجاب لها مجلس شورى الدولة، وأصدر قراره الثاني في 6/3/2017، وحسم فيه أنَّ أيَّ رخصة تعديلية هي مشمولة بقرار وقف تنفيذ الرخصة الأساسية.

استكملت الأعمال
بتغطية من المحافظ
ووزير الداخلية
على الرغم من ذلك، استمر الاستخفاف بقرارات السلطة القضائية، وتواصلت الأشغال وازدادت وتيرتها، ولم تتوقف إلا صباح السبت في 11 آذار، عندما توجهت الجهة المدّعية إلى قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، جاد معلوف، وتقدّمت بمراجعة تطلب وقف الأعمال في البناء وتكليف خبير من قبل المحكمة لضبط المخالفة الجارية وإجراء كشف ميداني لإظهار الأشغال التي حصلت خلافاً لقرار مجلس شورى الدولة وإتاحة الإمكانية (لاحقاً) لمعرفة الأشغال التي ستجري بعد كشف الخبير.
استجاب القاضي معلوف، وكلّف خبيراً في اليوم نفسه، أي السبت الماضي، فكشف على البناء المخالف برفقة ممثل الجهة المدعية علي درويش والمحامي نزار صاغية، وتبين أن أشغال صب الباطون كانت مستمرة حتى صباح السبت، إذ كان الباطون لا يزال "طازجاً"، ما يعني أنَّ محافظ بيروت لم ينفّذ القرار القضائي فوراً، أو أنّ قائد شرطة بيروت تقاعس عن تنفيذه، ولا سيما أنَّ المحافظ وزّع نسخة من كتاب، مؤرخ في 9 آذار، أي يوم الخميس الماضي، كلّف بموجبه قائد شرطة بيروت توقيف الأعمال الجارية في العقار رقم 3689/ المصيطبة، "سنداً لقرار مجلس شورى الدولة رقم 181/ 2016-2017 تاريخ 6/3/2017".
يقول رئيس جمعية "الخط الأخضر" علي درويش لـ "الأخبار"، إنِّ المحافظ أخبره أنه "حوّل القرار للتنفيذ"، إلا أنَّ "المحافظ ملزم بالاتصال والتواصل مع الجهة التي منحها الرخصة أول مرة فوراً، وإبلاغها بالقرار وبضرورة وقف الأعمال، فضلاً عن إبلاغ الشرطة والقوى الأمنية بضرورة تنفيذ القرار"، مُلمحاً إلى أنَّ المحافظ "ماطل في هذه الإجراءات، إلى حين الانتهاء من صب الباطون على الطبقة الأخيرة للمبنى". وكانت جمعية "الخط الأخضر" و"المفكرة القانونية" قد اتهمتا محافظ بيروت زياد شبيب، ووزير الداخلية نهاد المشنوق مباشرة بتغطية مخالفات "شركة Eden Bay ش.م.ل." للقرارين القضائيين. فقد وجهتا في 9 آذار رسالة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، تطلبان "التدخل الفوري لإعادة تصويب الأمور صوناً لمبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء، وبشكل غير مباشر صوناً للأملاك العامة وحق اللبنانيين، وبخاصة أهل بيروت وسكانها في التمتع بالبيئة، بالشمس والرمل والبحر دون عوائق"، وذلك "عملاً بمسؤوليتكم الكبرى في السهر على ضمان احترام الدستور، وبخاصة المبادئ التي ينبني عليها، وأبرزها مبدأ فصل السّلطات، وبتعهدكم الميمون في خطاب القسم بصون استقلال القضاء".
جاءت هذه الرسالة في ضوء مواصلة الشركة المخالفة بناء منتجعها على شاطئ الرملة البيضا في العقارات 3689 و3690 و3691 و3692/ المصيطبة، "كأنما لا معنى لكلمة القضاء وبإمكان أي كان أن يخالفها. كل ذلك في مشهد فاقع ومقزّز من شأنه أن يترك آثاراً عميقة، يصعب ترميمها، على ثقة المواطنين بالدولة وحماية القانون".
في المقابل، كان لافتاً أن يصف محامي شركة Eden Bay بهيج أبو مجاهد قرار مجلس شورى الدولة بـ"القرار الأرعن"، وقال في تصريح لتلفزيون "الجديد"، إنَّ العمل بالمشروع سيستمر "بقوة القانون"، لافتاً إلى أنه ستُتّخَذ إجراءات قانونية بحق كل من تسوّل له نفسه التعدي وإلحاق الأذى بالمشروع.
في مواجهة هذه الوقائع، نفّذ عشرات الناشطين والناشطات اعتصاماً، قبل ظهر أمس، على مدخل المشروع للمطالبة بهدم المبنى وإرساء مواجهة الأمر الواقع الذي تفرضه الجهات النافذة المتواطئة مع الشركة. وقال الأمين العام لحركة "مواطنون ومواطنات في دولة"، الوزير السابق شربل نحاس، أنه عندما يقوم القضاء بواجباته، يُصبح المواطنون والمواطنات حماة قراراته. الاعتصام كان بمثابة "الاحتفاء" بوقف الأعمال، على أمل أن تستكمل خواتيم الدعوى لمصلحة الحق العام.
(الاخبار)