شهدت ساحة رياض الصلح، أمس، التجمّع الاحتجاجي الاكبر منذ تحرّكات صيف عام 2015، التي اندلعت على خلفية «أزمة النفايات». المشهد في الساحة كان شبيها الى حد ما بتلك التحرّكات، اذ تميّز التجمّع بمشاركة كبيرة من شباب غاضبين على السلطة ورافضين لتصرفاتها ازاء سلسلة الرتب والرواتب وامعانها في تكريس نظام ضريبي لا يتسم بأي نوع من العدالة. هتف المشاركون ورفعوا شعاراً واضحاً لا لبس فيه: «يسقط حكم المصرف».
حدّدوا هدفهم من خلال هذا الشعار وشعارات اخرى تتهم السلطة بالفساد واللصوصية والمافيوية ومحاباة اصحاب الثروات، وصبوا جام غضبهم على "الحكام" وعلى "الضرائب التي تعاقب من لا يملك وتكافىء من يملك». لم يكن المشاركون بحاجة الى من يدلهم الى اصل المشكلة، ولكن، كما في صيف عام 2015، كانوا يحتاجون الى اطار يجمعهم ويحمل مطالبهم ويساهم في تحويل احتجاجاتهم الى عمل سياسي.
لم يظهر بين الناس في الساحة من يحب المصارف او يدافع عن ارباحها، بل بالعكس، كانت ارباح المصارف والمضاربات العقارية والمصالح التجارية مصدر نقمة أكثريتهم... ولكن، كما في صيف عام 2015، تنطّح البعض لخطف تعبيراتهم وتجييرها نحو اهداف لا تمت بصلة اليهم. بحسب المعلومات، عقد اجتماع في نهاية التجمّع، امس، ضم احزاب ومجموعات، منها الحزب الشيوعي اللبناني وحزب الكتائب و"بدنا نحاسب" و"طلعت ريحتكم" و"من اجل الجمهورية" و"الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات" وآخرين... ليس صدفة ان يحاول ممثل مجموعة «من اجل الجمهورية» مروان معلوف في هذا الاجتماع استبعاد اي مطلب يتعلق بزيادة الضرائب على ارباح المصارف.

جرت محاولات
لتمييع المطالب وحصرها بعنوان عريض هو «لا للضرائب»

طبعا، أيدّ المطلب ولكنه رفض ايراده في متن البيان، تماما كما فعل في احتجاجات صيف عام 2015 عندما رفض مجرد ذكر "العدالة الاجتماعية" في متن وثيقة كانت ستصدر حينها! هذه المرّة لم ينجح، اذ جرى الاتفاق على ان يتضمن البيان مطلبا محددا بزيادة الاقتطاعات الضريبية من ارباح المصارف.
لم تقتصر اوجه التشابه على هذه الامثلة، اذ وضع البعض "فيتو" على اي شكل من اشكال "الاتصال" مع السلطة باسم المحتجين، ردا على دعوة رئيس الحكومة سعد الحريري عبر "تويتر" المتظاهرين الى "تشكيل لجنة ترفع مطالبهم لمناقشتها بروح ايجابية»، تماما كما حصل في صيف عام 2015 عندما رفضت المجموعات التفاوض مع رئيس الحكومة (حينها) تمام سلام. هذه النقطة تثير خلافات جوهرية بين المشاركين في تجمّع امس، اذ صدرت انتقادات واسعة لمبدأ الرفض، ودعوات الى اعداد مذكرة مطلبية ورفعها الى الحكومة والتفاوض على اساسها، الا أن الرد كان بأن المطالب معروفة وعلى الحكومة الاستجابة لها. في هذا السياق، جرت محاولات لتمييع المطالب وحصرها بعنوان عريض هو «لا للضرائب»، وهو شعار تروّج له «الهيئات الاقتصادية» و«جمعيّة المصارف» منذ بدء مناقشات السلسلة، ونجحت من خلاله بـ«شيطنة» الضرائب، بهدف بناء رأي عام يخلط بين الضرائب "السيئة" المقترحة التي تصيب الاستهلاك وبين الضرائب "الجيدة" التي تصيب الارباح الفاحشة المحققة. نجحت هذه "الشيطنة" بإخراج مسرحيّة الجلسة النيابيّة، يوم الخميس الماضي.
(الاخبار)