لا توافق مصادر بارزة في القوات اللبنانية على أن أداء الحزب السياسي تراجع في الاسابيع الاخيرة. هناك تمايز، بالنسبة إليها، بين التضامن الوزاري ورغبة القوات في عدم إفشال مسار الحكومة والعهد، والمواقف السياسية للقوات التي لا تنوي التراجع عن ثوابتها في مقاربة الملفات العديدة المطروحة للبحث.
منذ أن طرح رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع موضوع الكهرباء ورشّح لاحقاً الدكتور فادي سعد في البترون، وردّ مصادر التيار الوطني على ذلك مرتين، بدا أن الرسائل بين القوات والتيار الوطني تأخذ منحى مختلفاً عن المرحلة التي سبقت انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
لكن القوات تستغرب ما يثار عن ملف الكهرباء «الذي يعني التيار والقوات وجميع الوزراء، وما طالبت به القوات لم يكن له أي خلفية سياسية. وحين شعرت أن ثمة حساسية معينة، حصلت لقاءات عدة لفك العقد، وتبيان هدف القوات، خصوصاً أن التيار يعمل منذ سنوات للمطلب نفسه. وبما أنه معني بوزارة الكهرباء اليوم، فمن الطبيعي أن تكون القوات معه لدفع هذا الملف الى الامام». وهذا ما حصل، إذ إن الرئيس سعد الحريري حدد موعداً لجلسة خاصة للكهرباء، كان يفترض أن تعقد خلال عشرة أيام، لولا تطورات الايام الاخيرة، وسفر الحريري الى مصر، «وقد طلب من وزير الطاقة إعداد ملف حول الكهرباء، ما يعني أن هذا الملف بات أولوية حكومية».
أما في الشق المتعلق بترشيح سعد في البترون، فالقوات تجزم بأن الامر ليس مناورة ولا يمكن لها أن تناور بترشيح شخصية كسعد، وهو الامين العام السابق للحزب، علماً بأن للقوات تفسيراً مختلفاً عمّا يقال عن ترشيح سعد من الساحل وترك المقعد في الجرد للنائب بطرس حرب، كرسالة الى الوزير جبران باسيل. وبحسب هذه المصادر، فإن القوات حزب موحد، والقواتيون ملتزمون كبلوك انتخابي والاقتراع لمرشح الحزب، سواء كان من الجرد أو الساحل، كما حصل في كل المناطق عام 2009، ولأي مرشح تتحالف معه القوات.
«لا يمكن للقوات أن تقوم بهذه الألاعيب السياسية مع حلفائها»، إذ ثمة إصرار قواتي على أنها ستخوض الانتخابات مع التيار الوطني الحر من الشمال الى الجنوب ومن البقاع الى بيروت، «هذا قرار سياسي نفرضه على أنفسنا ولا نفرضه على أحد». فالقوات بعد ورقة إعلان النوايا وتفاهمها مع التيار على خوض معركة قانون الانتخاب والانتخابات معاً، «لم تتراجع عن هذا التفاهم، وإن راعت حصة أصدقائها كما يراعي التيار حصة أصدقائه». ولا تفوّت هذه المصادر الإشارة الى أن عامل المناكفات الشخصية قد يطغى أحياناً على الجو السياسي، وقد يترك بعض الآثار السلبية، لكن مهمة قيادات الطرفين أن تعيد لملمة الصفوف «لأننا ذاهبون الى الانتخابات معاً، ويجب ألا تترك أي تأثيرات شخصية تفعل فعلها».
تستعد القوات للانتخابات، مع التيار، كما تنسّق معه في موضوع قانون الانتخاب، الذي لا يزال يشكل عاملاً مشتركاً بينهما، «وخصوصاً أن القوات دعمت مشروع الوزير باسيل الاخير، في حين أفشله حزب الله، لكن المراوحة الحالية في القانون لن تستمر طويلاً. فكما اتفق على الانتخابات الرئاسية من دون أن يوافق الجميع على شخص الرئيس، واتفق على رئيس الحكومة من دون توافق الجميع عليه، فكذلك سيتم الاتفاق على قانون الانتخاب ولو لم يرضِ الجميع بالكامل».
ولأن قانون الستين «مرفوض مسيحياً بالكامل»، لا يوجد سوى مشروعين قابلين للتطبيق: النسبية التي رفضها الحريري، بحسب القوات، والمختلط. «الأرجح حتى الآن أن يتم تعديل المختلط الذي تقدم به باسيل، لأن القضية تتعلق بعشرة مقاعد مسيحية لا يمكن لأي طرف مسيحي أن يتخلى عنها إذا قبل بمشروع النسبية، فيما يؤمنها المختلط. وهذا المشروع هو الأقرب الى أن يكون نافذاً».
للمرة الاولى تدخل القوات الى الحكومة بثلاثة وزراء، وهي تقارب هذه التجربة من زاوية تتعلق بدور وزرائها الذين باتوا حاضرين في كل الملفات السياسية والوزارية، وإعلامياً في شكل دائم. لكنّ للقوات أيضاً حضوراً سياسياً في الحكومة، وهذا لا يتعلق فقط بملفات الوزراء التقنية، وهي تسعى الى التوفيق بين خياراتها وتحقيق تقدم ملموس في ملفات حيوية تسعى منذ سنوات للمطالبة بها. من هنا دخلت على مناقشة الموازنة في مجلس الوزراء، وسلسلة الرتب والرواتب في مجلس النواب، اذ تضغط لعدم إصدار موازنة فضفاضة والعودة الى مبلغ 22 ألف مليار، مع رزمة من الاصلاحات تحدث عنها جعجع أمس، وتسعى الى عقد جلسات جديدة لمناقشة الموازنة، «وعدم تحميلها تبعات تأمين موارد السلسلة التي سعت القوات من خلال نوابها الى الحصول عليها. لكنّ هناك أطرافاً سياسيين موجودين في السلطة منذ سنوات، يجب أن يتحمّلوا مسؤوليتهم أيضاً في تأمين النفقات، من دون فرض أعباء وضرائب جديدة على المواطنين».
لم تعرقل القوات التعيينات الاخيرة، وإن كانت اعترضت على الطريقة التي تمت بها. ولم ترفض، بحسب مصادرها، تعيين قائد الجيش الجديد جوزف عون. اعتراضها بقوة كان لأن التعيينات الشاملة «جاءت على شكل أسماء محددة أُبلِغ بها الوزراء للموافقة عليها وليس لمناقشتها. ولمّا كانت التعيينات الامنية ضرورية في هذه المرحلة ولا يجوز إعطاء أي صورة تمس الصورة الشعبية للتعيينات، وافق المعترضون عليها. لكن كان في الإمكان التريث في التعيينات القضائية والجمركية حتى يطّلع الوزراء على جميع المعطيات المتعلقة بالمرشحين. وقد وعد الرئيس سعد الحريري في جلسة التعيينات الاخيرة بأن تراعى هذه المتطلبات في التعيينات المقبلة». وما حصل، بالنسبة الى القوات، لن يتكرر، لأنها «أبلغت الجميع أنها لن تقبل بعد الآن أن تكتفي بالتوقيع على ما يعرض في مجلس الوزراء، أو أن تبصم على بياض».