"الهندسة المالية الخاصّة"، التي طلبها "سيدروس بنك" من حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بغية تكبير حجمه وتوسيع أعماله وزيادة أرباحه على حساب المال العام، لا تزال مطروحة، فوق الطاولة وتحتها، على الرغم من الطابع "الفضائحي" الذي اتخذته، سواء في مبرراتها الوقحة أو في محاولة ربطها برئيس الجمهورية ميشال عون وأفراد من عائلته أو في علاقة هذا الطلب بالحملة التي يخوضها سلامة حالياً ليفرض تجديد ولايته للمرّة الخامسة على التوالي، ويسجل بذلك رقماً قياسياً جديداً لأطول فترة يتولى فيها الشخص نفسه إدارة الشؤون النقدية والمصرفية لمدّة 30 عاماً، وهو أمر لم يحصل حتى في أكثر النظم ديكتاتورية في هذا العصر.
بحسب مصادر مصرفية مطّلعة، ينوي سلامة عرض طلب "سيدروس" على المجلس المركزي لمصرف لبنان لاتخاذ القرار النهائي في شأنه، إمّا قبولاً وإمّا رفضاً. إلا أنَّ مصادر في المجلس نفت أن يكون هذا الطلب مدرجاً على جدول أعمال الجلسة المقررة غداً، الأربعاء. وردّاً على سؤال عمّا إذا كان ممكناً عرضه من خارج جدول الأعمال، أجابت المصادر نفسها: هذا ممكن، ويحصل مثله عادة، ولكن لا معلومات أكيدة في هذا الشأن حتى الآن (أمس). من جهتها، توضح المصادر المصرفية أن لا معلومات لديها عن موعد عرض الطلب، إلا أنَّ معلوماتها الأكيدة أنَّ سلامة عبّر ــ عن نيته طرح الأمر على المجلس ــ أمام أكثر من طرف راجعه في شأن مصير الطلب المذكور.
يشكّل طلب "سيدروس" (الوثيقة المنشورة أدناه) الدليل الأوضح على زيف الادعاءات المسوقة لتبرير ما يسمّى بـ"الهندسات المالية"، التي يصممها حاكم مصرف لبنان للمصارف، بما يخالف القوانين النافذة ويتجاوز صلاحياته وواجباته ودوره في "المحافظة على النقد لتأمين أساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم"...
وفقاً لأحكام قانون النقد والتسليف، تنحصر مهمة المصرف المركزي بدعم المصارف عندما تتعرض لأزمة سيولة، وهو لا يمدّها بالسيولة المطلوبة مجاناً وكيفما شاء، بل بعد دراسة دقيقة لأوضاعها وحاجتها الحقيقية إلى السيولة وبناءً على شروط محددة في القانون، وفي مقدمها الحصول على ضمانات مقابلة، بما في ذلك رهن أسهم وموجودات وأصول منقولة وغير منقولة، وصولاً إلى وضع اليد عليها. ما يكشفه طلب "سيدروس" أنَّ الأمور لا تجري على هذا الشكل. فالبنك، على غرار ما يجري عادةً، يخطط للانتشار عبر فتح 5 فروع جديدة في كل سنة من السنوات الثلاث المقبلة، ويريد تحديث أنظمة المعلوماتية المعتمدة لديه، ويسعى إلى التعاقد مع ذوي المؤهلات العلمية وأصحاب الخبرة في العمل المصرفي، ويودّ تسويق منتجاته، ويطمح إلى زيادة حجم الودائع لديه بقيمة 700 مليون دولار في السنة الأولى و900 مليون دولار في السنة الثانية و1.2 مليار دولار في السنة الثالثة، وهو كي يحقق طموحه، سيجذب المودعين بمنحهم معدّل 1% إضافي على الفائدة...
كل بنك يضع استراتيجيته ليكبر ويتوسع وينال حصّة من السوق ويتنافس مع أقرانه. لكن، أليس خطيراً أن يكون متاحاً لهذا البنك أو ذاك أن يطلب تمويل استراتيجيته الخاصة من المال العام، مال اللبنانيين واللبنانيات؟ بكل وقاحة، يريد "سيدروس" من حاكم مصرف لبنان أن يصمم له "هندسة مالية خاصة"، تعمل على تحويل مال عام إلى مال خاص، أي تنقل ثروة من ملكية المجتمع إلى ملكية أصحاب البنك. يريد هؤلاء، عبر "الهندسة" أن نموّل طموحاتهم الشخصية التي يتطلب تحقيقها نحو 56.5 مليون دولار؛ بل يريدون أن ندفع لهم، عبر هذه الهندسة، ليغطّوا خسائر بنكهم المتراكمة، البالغة نحو 14.8 مليون دولار، والمسجلة في حساباته عن السنة المالية 2015! يريد البنك أن نعطيه، نحن جميعنا، نحو 71.3 مليون دولار. من أجل ماذا؟ من أجل أن يربح أكثر. لماذا؟ لأنه يستطيع أن يحصل على ذلك، هكذا بكل بساطة بمجرد توقيع من رياض سلامة. حجّة أصحاب البنك الوحيدة للتقدّم بهذا الطلب الوقح، أنَّ سلامة أعطى غيرهم أكثر بكثير مما هم يطلبون، وهم، في هذه الحجّة، محقّون.

حجّة «البنك» أنَّ سلامة
أعطى الآخرين أكثر مما
يطلب أن يعطيه


فقد كشفت الوثائق التي نشرتها "الأخبار" ( هدايا سلامة للحريري: 575 مليون دولار بين عامي 2013 و2016 ــ العدد ٣١٠٩ الثلاثاء ٢١ شباط ٢٠١٧), أنَّ بنك البحر المتوسط حقق أكثر من 275 مليون دولار، أرباحاً استثنائية من «هندسات» خصّه بها سلامة بين عام 2013 وأيار 2016. وهناك معلومات عن مصارف أخرى حققت، ولا تزال، أرباحاً استثنائية كبيرة من "هندسات خاصة"، منها بنك الموارد (على سبيل المثال لا الحصر)، فضلاً عن كل المصارف التي تملكت أو دمجت مصارف أخرى وزادت رساميلها... ولكن يبقى المثال الأفضح، هو "الهندسة" الضخمة التي أجراها حاكم مصرف لبنان في الفترة بين حزيران وكانون الأول من العام الماضي (بالأسماء والأرقام: 5 مليارات دولار أرباح المصارف وكبار المودعين من "الهندسة المالية" ــ العدد ٣٠٧٨ الجمعة ١٣ كانون الثاني ٢٠١٧)، التي ضخت أرباحاً استثنائية فورية للمصارف وكبار المودعين، بلغت في نهاية العام الماضي، بحسب آخر التقارير الرسمية، نحو 5.6 مليارات دولار، 47% منها حققها مصرفان فقط، هما بنك عوده وسوسيته جنرال، فيما غنم بعض كبار المودعين نحو 738 مليون دولار من هذه الأرباح. زيف الادعاءات حول مبررات هذا النوع "الهندسات"، تكشفه أيضاً الميزانية المجمّعة (محلياً وخارجياً) لأكبر 14 مصرفاً في لبنان، المعروفة باسم مجموعة مصارف "ألفا"، التي تستحوذ على أكثر من 85% من أصول القطاع المصرفي اللبناني. فقد أظهرت بيانات «بنك داتا» أنَّ أصول هذه المجموعة ازدادت في عام 2016، نتيجة "الهندسة" الأخيرة، بقيمة 13 مليار دولار، وازدادت أموالها الخاصة بنحو 1.9 مليار دولار، وأطفأت خسائر معظمها محقق في الخارج بقيمة 1.3 مليار دولار، وخصّصت مؤونات إجمالية بقيمة 800 مليون دولار، وفتحت 22 فرعاً جديداً في لبنان، وأقفلت 69 فرعاً خارج لبنان لتقليص الخسائر التشغيلية من العمليات الخارجية... وحققت إيرادات إجمالية بقيمة 6.691 مليار دولار، بزيادة 1.5 مليار دولار عن عام 2015، وصرّحت عن أرباح صافية (بعد اقتطاع الضريبة) بقيمة 2.26 مليار دولار، بزيادة 12% عن العام السابق. هل يعني شيئاً إذا إضفنا أنَّ حصة مصارف هذه المجموعة من الأرباح الاستثنائية لـ"الهندسة المالية" في العام الماضي كانت نحو 93.5%، أي نحو 5.250 مليارات دولار؟ هل هناك حاجة لأدلة إضافية على أنَّ حاكم مصرف لبنان استخدم المال العام لتعزيز الأموال الخاصة للمصارف ونفخ أرباحها وزيادة ملاءتها وإطفاء خسائرها وتكوين مؤوناتها على قروض منحتها لأفراد ومؤسسات لا يسددون، ومنهم أصحاب نفوذ؟ هل يجيز له القانون ذلك؟
لم يتبع حاكم مصرف لبنان الأنظمة سابقاً. امتنع عن إصدار التقارير وحسابات الربح والخسارة التي تفرضها القوانين عليها. ولم تُعرَض أيٌّ من هذه "الهندسات" على المجلس المركزي لمصرف لبنان. فلماذا ينوي الآن عرض طلب "سيدروس"؟ لماذا لم يرفضه ببساطة أو يتركه في الجارور؟ تعتقد المصادر المصرفية أنَّ الضجّة التي أثارها طلب "سيدروس"، في خضمّ حملة الحاكم لتجديد ولايته، أحرجته كثيراً وأظهرته في صورة لا تتناسب مع صورة "المنقذ" و"الحاكم الخارق" التي يروّج لها. أظهرته في صورة "الراشي"، لذلك يريد أن يوحي أنَّ الأمور عنده لطالما تأخذ مجراها الطبيعي! حتى ولو أنَّ أصحاب هذا البنك، وعلى رأسهم وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري، يسوّقون أنهم "حصة رئيس الجمهورية" ويرددون أنهم يدعمون التجديد لسلامة على عكس الخيار الذي يتردد أنَّ الرئيس ميشال عون يفضّله.




ماذا يطلب «سيدروس» من رياض سلامة؟

="" title="" class="imagecache-465img" />
للصورة المكبرة انقر هنا


سعادة حاكم مصرف لبنان
السيد رياض توفيق سلامه المحترم
مصرف لبنان ـــ بيروت
الموضوع: الاستراتيجية العامة المعتمدة لتطوير سيدروس بنك ش.م.ل. خلال السنوات المالية الثلاث القادمة
المرجع: س.ب. 2017.01
تحية واحترام،
بالإشارة إلى الموضوع المبيّن أعلاه، وعطفاً على تملك سيدروس إنفست بنك ش.م.ل. (فيما بعد "سيدروس إنفست") لمعظم الأسهم المكونة لرأسمال ستاندرد تشارترد بنك ش.م.ل. الذي أصبح سيدروس بنك ش.م.ل. (فيما بعد "سيدروس")، وذلك بموجب قرار المجلس المركزي لمصرف لبنان رقم 49/29/2014 (فيما بعد "عملية التملك").
وعطفاً على زيادة رأسمال سيدروس إنفست خلال عام 2014 من /77.998.626.000/ ل.ل. (سبعة وسبعون ملياراً وتسعمئة وثمانية وتسعون مليوناً وستمئة وستة وعشرون ألف ليرة لبنانية) إلى /138.309.707.250/ ل.ل. (مئة وثمانية وثلاثون ملياراً وثلاثمئة وتسعة ملايين وسبعمئة وسبعة آلاف ومئتان وخمسون ليرة لبنانية) بهدف إتمام عملية التملك ودعم رأسمال سيدروس وتطوير أعماله.
جئنا بموجب الكتاب الحاضر نحيطكم علماً بأن الإدارة قد تبنّت استراتيجيةً عامةً جديدة تهدف إلى تطوير وتنمية سيدروس خلال السنوات المالية الثلاث القادمة (2017، 2018 و 2019)، وفقاً لما سنبينه فيما يلي:
أ ـــ لجهة الاستراتيجية العامة المعتمدة لتطوير سيدروس بنك ش.م.ل. خلال السنوات المالية الثلاث القادمة:
ترتكز الاستراتيجية العامة المعتمدة من قبل سيدروس بشكل أساسي إلى الأمور الآتية:
1 ـــ توسيع نطاق انتشار سيدروس من خلال العمل على فتح فروع جديدة لسيدروس بمعدل خمسة فروع كل سنة من السنوات المالية الثلاث القادمة.
2 ـــ تحديث أنظمة المعلوماتية المعتمدة.
3 ـــ التعاقد مع ذوي المؤهلات العلمية وأصحاب الخبرة في العمل المصرفي.
4 ـــ التركيز على تسويق منتجات سيدروس.
5 ـــ السعي لزيادة حجم الودائع في سيدروس، إذ تسعى إدارة سيدروس لتحقيق زيادة في حجم الودائع خلال السنة المالية 2017 تصل إلى سبعمئة مليون دولار أميركي، وزيادة تصل إلى تسعمئة مليون دولار أميركي في السنة المالية 2018، وصولاً إلى زيادة تصل إلى مليار ومئتي مليون دولار أميركي في السنة المالية 2019. وذلك من خلال تكبّد سيدروس معدل 1% إضافي على الفوائد بهدف جذب المودعين.
غير أن هذه الاستراتيجية العامة من شأنها أن تكبد سيدروس أعباءً وخسائر إضافية في رأسماله تصل إلى /56.500.000/ د.أ. (ستة وخمسون مليوناً وخمسمئة ألف دولار أميركي) وذلك وفقاً للجدول المرفق.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن حجم الخسائر المتراكمة والمسجلة في حسابات السنة المالية 2015، قد بلغت مبلغاً قدره /14.800.000/ د.أ. (أربعة عشر مليوناً وثمانمئة ألف دولار أميركي)، ما يجعل التوقعات حول مجموع خسائر رأسمال سيدروس المتراكمة يبلغ في السنة المالية 2019 /71.300.000/د.أ. (واحد وسبعون مليوناً وثلاثمئة ألف دولار أميركي).
ب ـــ لجهة زيادة رأسمال سيدروس إنفست:
بهدف تحقيق الاستراتيجية المبينة أعلاه، ودعماً لرأسمال سيدروس، قرر سيدروس إنفست زيادة أمواله الخاصة بمبلغ قدره /152.936.164/ د.أ. (مئة واثنان وخمسون مليوناً وتسعمئة وستة وثلاثون ألفاً ومئة وأربعة وستون دولاراً أميركياً) لتصبح /272.686.093.66/ د.أ. (مئتان واثنان وسبعون مليوناً وستمئة وستة وثمانون ألفاً وثلاثة وتسعون دولاراً أميركياً وستة وستون سنتاً). علماً بأن الإدارة قد تمكّنت من خلال الزيادة أعلاه من استقطاب تحويلات بالدولار الأميركي من خارج لبنان أدخلت في أموال المصرف الخاصة بعد تحويل معظمها إلى الليرة اللبنانية، وبالتالي أدخلت ولن تخرج من لبنان كونها ضمت إلى أموال المصرف الخاصة. وبتاريخ 25/1/2017، وافق المجلس المركزي لمصرف لبنان لسيدروس إنفست بموجب قراره رقم 31/3/17 على زيادة رأسماله وفقاً لما هو مبين أعلاه.
بناءً عليه، نتقدم من سعادتكم بطلب دعم سيدروس إنفست، سنداً لمجموع أمواله البالغة /272.686.093.66/د.أ. (مئتان واثنان وسبعون مليوناً وستمئة وستة وثمانون ألفاً وثلاثة وتسعون دولاراً أميركياً وستة وستون سنتاً)، من خلال الهندسة المالية التي ترونها مناسبة، كما تغطية للأعباء المفصلة أعلاه ودعماً لمصرفنا الناشئ.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير،
فادي العسلي
رئيس مجلس الإدارة المدير العام
سيدروس إنفست بنك ش.م.ل.
وسيدروس بنك ش.م.ل.