تنعقد الجمعيّة العموميّة لشركة «كازينو لبنان»، اليوم، وهي تبدو أقرب إلى مسرحيّة، كُتبت أحداثها مسبقاً، وستنتهي بإبراء ذمّة مجلس الإدارة الحالي الذي يترأسه حميد كريدي، المنتهية ولايته منذ عام 2013. وسيجري فيها تعيين مجلس إدارة جديد يخلفه من 10 أعضاء كلّهم حزبيون.
الهدف هو طيّ صفحة ست سنوات من انعدام الشفافيّة الماليّة، من دون إقامة أي اعتبار لملفات قضائيّة بتهمة هدر أموال عامّة وخاصّة، تنظر فيها النيابة العامّة الماليّة، وتقدّرها مصادر متابعة بأكثر من 300 مليون دولار أميركي. هذا السيناريو المُعدّ بإتقان، تعكسه البيانات الماليّة التي وزّعتها الشركة على المساهمين قبل أيام معدودة من الجلسة، لتكرّس نهجاً قائماً منذ عام 2011، يقضي باستمرار ما يصفه مساهمون من الأقلية "بالتآمر عليهم"، والتفريط بأموال عامّة، وإبقاء هذا المرفق تحت قبضة المحاصصة السياسيّة.

تقرير عام تبريري

يطلب مجلس إدارة الكازينو المصادقة على حسابات الشركة من 1/1/2011 حتى 31/12/2016، بعد خمس سنوات متتالية من الامتناع عن عقد أي جمعيّة عموميّة للمساهمين، وعدم توزيع أنصبة الأرباح عليهم، إذ أعدّ مجلس الإدارة تقريراً عاماً وزّعه على المساهمين عدّد فيه ما اعتبره «إنجازات محسوبة له»، وحقّقها خلال هذه الفترة، وهي: امتناعه عن "دفع" أنصبة الأرباح منذ شباط 2013 "تداركاً للوضع الاقتصادي". جني الفوائد من توظيف الأموال في المصارف، وبلغت نحو 25.8 مليون دولار بين عامي 2011 و2016، وقد بلغ رصيد الاموال المودعة في المصارف والصناديق نحو 124.8 مليون دولار. وتراكم مبالغ "طائلة" في ذمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بقيمة 25.6 مليون دولار، وتكوين مؤونات لديه بقيمة 8.3 ملايين دولار.

كلفة الرواتب
في المطاعم تتجاوز
6 أضعاف إيراداتها


في المقابل، تراجعت أرباح الكازينو (الدخل الشامل) من 95.3 مليار ليرة في عام 2010 إلى 13 مليار ليرة في عام 2016. ويزخر التقرير العام بعرض المبررات لهذا التراجع، من دون أي توجه لتحمّل المسؤولية، إذ برأيه الحكومة هي المسؤولة من خلال عدم حماية احتكار الكازينو لألعاب القمار، كذلك فإن الاقتصاد مسؤول لأنه لا ينمو كما يجب! فضلاً عن الاوضاع المحيطة بلبنان.

عائدات الدولة

يشير التقرير إلى ارتفاع عائدات الدولة من الاستثمار من نحو 40 مليون دولار سنوياً خلال الفترة الممتدة بين عامي 1996 و2009 إلى نحو 87 مليون دولار سنوياً عن الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2016، علماً بأنه ارتفاع "مبرمج" لا يؤشر على تحسّن أعمال الكازينو، كون العقد الموقّع بين الشركة والدولة اللبنانيّة، يعطي الأخيرة 30% من الإيرادات خلال السنوات العشر الأولى من توقيعه، و40% خلال السنوات العشر الثانية، و50% خلال السنوات العشر الثالثة. ولم يكتفِ التقرير بادّعاء «إنجازات» وهميّة، بل أشار أيضاً إلى أعباء ماليّة مترتّبة على الشركة ساهمت هي نفسها فيها، وفنّدها ضمن خانتين؛ الأولى تتمثّل في الموارد البشريّة وكلفتها الباهظة، ما حتّم على الشركة صرف 191 موظفاً في عام 2015 ودفع تعويضات بقيمة 27.1 مليون دولار أميركي (نحو 40 مليار ليرة)، وهو ما يتخطّى رأسمالها المقدّر بـ32 مليار ليرة، من دون العودة إلى الجمعيّة العموميّة، علماً بأنها أعادت أكثر من خمسين منهم إلى العمل، فضلاً عن إدخال موزّعي قطاع الألعاب (من المفترض أن تؤمّنهم شركة «أبيلا» بحكم العقد الموقّع معها) ضمن ملاك الشركة (244 موزّعاً بين عامين 2015 و2016، حتى تاريخه)، فيما تتمثّل الخانة الثانية بحصّة الدولة اللبنانيّة، التي بلغت بين عامي 2010 و2016 من إيرادات الألعاب نحو 896.3 مليار ليرة، مقابل عدم تنفيذها كامل بنود العقد لجهة الحصريّة التي ينصّ عليها العقد مع شركة «كازينو لبنان».

منافع مجلس الادارة

تتمثّل الكلفة الأساسيّة في «كازينو لبنان»، بحسب البيانات الماليّة، برواتب ومخصّصات مجلس الإدارة (مؤلّف من عشرة أشخاص)، ورواتب ومخصّصات الموظّفين وما يلحقها من خدمات اجتماعيّة، يليها قسما المطاعم والمسارح اللذان لم يحقّقا إلّا خسائر متتالية منذ ست سنوات، فضلاً عن تراجع أعمال مصدر الإيرادات الرئيسيّة للكازينو، والمتمثّلة في الألعاب والسلوت والماكينات.
بلغ مجموع ما تقاضاه كلّ من رئيس وأعضاء مجلس إدارة «كازينو لبنان» من تعويضات ومخصّصات وبدل حضور وأنصبة أرباح وBonus وأتعاب فنيّة لشركتي «أبيلا» و«MLS» (المملوكة بنسبة 90% من «أبيلا» التي تملك 17% من أسهم الكازينو)، ما مجموعه نحو 126 مليار ليرة لبنانيّة بين عامي 2011 و2016، علماً بأن البيانات المقدّمة تحتوي على مخالفات فاضحة، أولاها توزيع مجلس الإدارة على نفسه، حصراً دون المساهمين، سِلفاً على حساب أنصبة الأرباح وBonus بقيمة 6.55 مليارات ليرة لبنانيّة، بين عامي 2011 و2016، من دون العودة إلى الجمعيّة العموميّة، فيما خصّص مجلس الإدارة مبلغاً مقطوعاً بقيمة مليون ليرة لكلّ عضو بدل حضور كلّ جلسة مجلس إدارة.

الرواتب والأجور

إلى ذلك، بلغ مجموع الرواتب والأجور وملحقاتها بين عامي 2011 و2016 نحو 623.7 مليار ليرة، إذ ارتفعت من 86.9 ملياراً في عام 2011 إلى 110 مليارات في عام 2016، وذلك على الرغم من القرار المتخذ بعدم تعيين موظفين جدد وعدم زيادة الأجور والترقيات. بين عامي 2015 و2016 ارتفعت الأجور من 108 مليارات إلى 110 مليارات، رغم صرف 191 موظفاً، كذلك وظّف نحو 244 موزّع ألعاب منذ عام 2015، إضافة إلى إعادة أكثر من 50 موظفاً طردوا خلال موجة الصرف في عام 2015، وقد ترافق ذلك مع ارتفاع بدلات الطبابة والتعويضات الاجتماعيّة والمدارس.

كلفة المطاعم والمسارح

عنصر الكلفة الأكثر إثارة هو المتصل بقسمي المطاعم والمسارح، إذ تحفّظت عليه تقارير مفوّض الرقابة "ديلويت أند توش" و"إرنست ويونغ" خلال السنوات الست؛ ففي عام 2011 بلغت الخسائر الإجماليّة للمطاعم والمسارح ما مجموعه 7.4 مليارات ليرة و2.4 مليار ليرة على التوالي، لتصل الخسائر الإجماليّة للمطاعم في عام 2015 إلى نحو 15 مليار ليرة، علماً بأن نسبة أعباء الرواتب والأجور وملحقاتها ضمن كلفة المطاعم المباشرة بلغت ضعفي مجمل إيرادات المطاعم في عام 2011، لتصل إلى ستة أضعاف في عام 2015، في حين تجاوزت أعباء الفرق الفنية للمسارح ضعفي الإيرادات المتأتية من نشاط المسارح منذ عام 2011، وذلك رغم أن ما صرف من بدلات إعلانات وتسويق على العروض الفنية تخطّى ضعفي قيمة هذه العروض، (استفادت منها شركة محدّدة)، وهو ما ردّته الإدارة إلى "أعباء تخصّ نشاطات أخرى، لا يمكن تحديدها حسابياً"، أي بمعنى أوضح، الحفلات والولائم المجانية واستخدامات المرافق من قبل المحظوظين.

إيرادات الألعاب والسلوت

في ما يتعلّق بإيرادات الألعاب والسلوت، فقد تراجعت من 241.5 مليار ليرة في عام 2010 إلى 152.7 مليار ليرة في عام 2016، كنتيجة مباشرة لسياسة "تنشيف" الكازينو من زبائنه الكبار لمصلحة الكازينوات القبرصيّة، لقاء تقاضي مديرين مراقبين عمولات هائلة، على ما تفيد الشهادات المدوّنة في التحقيقات الجارية لدى المدعي العام المالي. وتضاف إلى ذلك مصاريف بمبالغ لافتة مدرجة في خانة "مصاريف أخرى"، من دون أي تحديد، وإيجارات، وبدل زيّ رسمي (بلغ في عام 2016 فقط نحو 29 مليون ليرة)

أرقام تورّط الجميع!

تقول مصادر المساهمين إن توزيع تقرير مجلس الإدارة وبيانات «الكازينو» الماليّة وتقارير مفوّض الرقابة قبل أيام قليلة من الجمعية العمومية، هو عمل مقصود بهدف إعاقة عملية دراستها التي تتطلب وقتاً وجهداً، ولا سيما أن الكثير من الأرقام غير واضحة وغير مفسّرة، وتحتاج الى فكّ شيفرتها (علماً بأن تقرير مفوّض الرقابة عن سنة 2016 لم يصدر حتى يوم السبت الماضي)، ما يوحي بوجود نوع من التحايل على حساب حقّ الاطلاع على المعلومات وخرق مبدأ الشفافيّة، اللذين يتيحان فهم تلك الأرقام والاستفسار عنها وأخذ القرار المناسب، وهو ما اعتبره بعض صغار المساهمين «مدخلاً لقطع إمكانيّة المحاسبة، وإبراءً لذمّة مجلس الإدارة وتعيين بديل منه بسرعة، بعيداً من أي علميّة وشفافيّة»، فيما يشير خبراء ماليون إلى أن «عدم وجود شرح وتفصيل لهذه الأرقام، المنفوخ بعضها، يفقدها شرعيّتها، لتتحوّل إلى مجرّد حسابات وهميّة، يبدو أن الهدف منها تأمين غطاء شكلي لأعمال المجلس السابق، وهو ما يطرح تالياً إشكاليّة فقدان الجلسة لمشروعيّتها وقانونيتها، ويفتح المجال للطعن فيها وتقديم دعوى مشروعيّة لرفض إبراء ذمّة المجلس الحالي ورفض تعيين أعضاء جدد، قبل تصحيح الأرقام».




حزبيّون أعضاء مجلس الإدارة الجديد!

بحسب معلومات «الأخبار»، تم اختيار حزبيين لمجلس إدارة «كازينو لبنان»، وذلك على أساس مبدأ المحاصصة السياسيّة والطائفيّة، منهم 3 أعضاء من المجلس السابق الذي يخضع لتحقيقات أمام المدّعي العام المالي، وهم:
رولان خوري (رئيساً لمجلس الإدارة – تيار وطنيّ حرّ)، والأعضاء بيارو خويري (تيار وطني حرّ)، شارل غسطين (تيار وطني حرّ)، كارين إيليا (تيار وطني حرّ)، رامي مجذوب (تيار وطني حرّ)، روني عبد الحيّ (قوات لبنانيّة)، محمد شعيب (إنترا وحركة أمل – عضو سابق)، غسان شكرون (حركة أمل)، وليد النقيب (تيار مستقبل – عضو سابق)، مجيد جنبلاط (الحزب التقدمي الاشتراكي – عضو سابق).


="" title="" class="imagecache-465img" />
للصورة المكبرة انقر هنا