النقاش الحاصل بشأن الفراغ والتمديد يوحي كأن هناك فرقاً بين الفراغ والتمديد للمجلس النيابي الممدّد لنفسه: رئيساً ولجاناً ونواباً. الفراغ يخيف المكوّنات السياسية للطائفة الشيعية الذين يواجهون للمرة الأولى خطراً محدقاً بأهم مكتسباتهم في النظام الطائفيّ.
ورغم كل ما قاله وفد حزب الله في بعبدا أخيراً، فإن تلفزيون «أو تي في» أعاد، أمس، التركيز على فكرة واحدة مرّرها الرئيس في سياق حديثه مع وفد حزب الله وتقول بأنه «لا فراغ في الدستور»، لأن المادتين 25 و74 واضحتان. وبالانتقال إلى هاتين المادتين يتبيّن أن الأولى (25) تفيد بأن قرار «حل مجلس النواب يجب أن يشتمل على دعوى لإجراء انتخابات جديدة في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر». أما المادة 74 فتقول إن الهيئات الناخبة تدعى فور حلّ المجلس النيابي. وعليه فإن العونيين يستعدون للقول إنهم حاولوا إقرار قانون انتخابات جديد، لكن محاولاتهم فشلت، ولما كان الفراغ أمراً واقعاً لرفضهم التمديد، فإن الانتخابات ستجرى بعد ثلاثة أشهر وفق القانون الانتخابيّ الساري المفعول: الستين، علماً بأن هناك من سأل فوراً حين سمع هذا الطرح عمّا يحول دون إجراء الانتخابات إذاً وفق قانون الستين دون المرور بهذا الخطر المؤسساتي الكبير المتمثل بحل المجلس النيابي، فسمع أطروحة عن حفظ ماء الوجه أمام الرأي العام. والواضح في هذا السياق أن «الثنائية الشيعية» لن تستسلم للموقف العونيّ؛ فدعوة رئيس المجلس النيابي أمس هيئة المجلس إلى الانعقاد اليوم يفترض أن تكون مقدمة لدعوة الهيئة العامة إلى جلسة لإقرار التمديد، يختلف الأفرقاء في تحديد موعدها المرتقب: الخميس أو الثلاثاء المقبل، في ظل إجراء العونيين والقوات والكتائب وعدة مجموعات من الحراك المدني اتصالات سرية في ما بينهم أمس للاتفاق على خطة مشتركة لمواجهة التمديد، وهو ما يتوقع العونيون أن يحرج حزب الله. لكن مصادر سياسية أخرى تؤكد أن الحزب سبق أن أبلغ من يعنيهم الأمر أنه أعطى التيار الكثير، لكنه يشعر اليوم أن خطراً وجودياً يحدق برئاسة المجلس النيابي، ولا يسعه المهادنة في هذا الموضوع، لا سيما أنه استنفد جميع محاولات الهروب إلى الأمام، علماً بأن مقدمة «أو تي في» قالت أمس: «لا يهوّلنّ أيّ كان بفراغ»، مع أن أصحاب القناة هم من يهوّلون بالفراغ، وهي كررت ثلاث مرات متتالية القول إن الرئيس قاطع في قراره: لن يوقّع، لن يوقّع، لن يوقّع. إلا أن توقيع الرئيس أو عدمه على قانون التمديد سيّان بعد مرور المهل الدستورية ونشر القانون في الجريدة الرسمية. وعندها لن يبقى أمام الرئيس سوى اللجوء إلى المجلس الدستوري الذي سيؤجّل الحكم كالعادة ريثما يصبح التمديد أمراً واقعاً. وعليه، هناك فراغ يريد العونيون أن يؤدي إلى انتخابات نيابية بعد ثلاثة أشهر وفق قانون الستين، وهناك تمديد يريده الرئيس سعد الحريري لعام كامل، وهناك خيار ثالث ما زال ممكناً يريده الرئيس نبيه بري، ويتمثل في الاتفاق على المبادئ الأولية لقانون الانتخابات ليصبح التمديد تقنياً لمدة ثلاثة أشهر فقط. وتشير المعلومات إلى أن خشية الحريري على الاستقرار السياسي تدفعه إلى الضغط على نحو خيالي في عدة اتجاهات.
وفي النتيجة، تمديد أو فراغ تليه انتخابات وفق قانون الستين لتأمين التمديد في صناديق الاقتراع هذه المرة؛ الأمر نفسه. المؤسف في الموضوع أن عهد التغيير والإصلاح الذي شهد مجموعة عثرات حتى الآن على وشك تحقيق نقلة نوعية في مستوى تخييب الآمال منه؛ فالمواطنون الذين يحبّون العماد ميشال عون كانوا يتوقعون أن يلتزم بخطاب قسمه لناحية إجراء الانتخابات في موعدها وفق قانون جديد، وهم كانوا يفضّلون ألف مرة أن يطلّ عليهم ويصارحهم بعدم قدرته على نقلهم من المزرعة التي يعيشون فيها إلى الدولة المدنية، أو يقول لهم أقله إن هناك حوله وبعيداً عنه من يخشون الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ويدفعونه إلى النكث باكراً بقسمه.