وحده من ملك مفتاح الحل، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. الرجل الذي لا يزال لقب «الجنرال» هو الأقرب إليه، هو الأقدر على نقل البلاد من حافة الانفجار، إلى مسار إصلاحي حقيقي. وهو اليوم أمام مسؤولية تاريخية. لم يعد زعيم التيار الوطني الحر، الذي يهوى التفاوض على حافة الهاوية، ويوهم خصومه أحياناً بأنه مستعد للقفز فيها، وأن عليهم إنقاذه وإنقاذ أنفسهم معه. اليوم، هو رأس الدولة، وحامي دستورها، والمسوؤل عن كل مواطن في البلاد. وعليه، يصبح هو المُطالَب الأول بمنع البلاد من الانزلاق إلى أزمة يصعب الخروج منها، إلا بأضرار تصيب الجميع.
غداً الخميس، يتجه تيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب طلال أرسلان ونواب مستقلون إلى المجلس النيابي، لارتكاب خطأ التمديد للمجلس النيابي للمرة الثالثة. لكن الإنصاف يوجب التذكير بأن هذا الخطأ ليس سوى ردّ فعل على خطأ أكبر، ارتكبه الوزير جبران باسيل وفريقه. منذ دخوله السلطة التنفيذية، يطرح باسيل مشاريع إصلاحية، ويخرج على المواطنين للقول إن مشاريعه تتعرّض للعرقلة. وهو محق في ذلك. تعرّض الجنرال ميشال عون طوال سنوات لحرب شعواء، تمنعه من تحقيق أي برنامج إصلاحي. وكان الهدف كسر شعبيته ومنعه من الوصول إلى رئاسة الجمهورية. أما اليوم، وعندما طُرِح مطلب الإصلاح الانتخابي على طاولة البحث، وقف باسيل ليعرقِل، منقلباً على كل الشعارات والاتفاقات السابقة.

وبدأ وزير الخارجية وفريقه حملة على «النسبية»، بذريعة أنها تنتقص من حقوق المسيحيين. وهو يعلم علم اليقين أن النسبية الكاملة، في دوائر متوسطة أو صغرى، تمنع أياً كان من سلب أي كان. وهذا النظام لا ينتقص من حقوق أحد، باستثناء القوى العلمانية غير الطائفية التي لا يُحصر جمهورها في منطقة واحدة. وكان شريك باسيل، سمير جعجع، يلاقيه بدق طبول الحرب على موقع القوات الإلكتروني. يريدان، ببساطة، المشروع الذي يلغي أيّ خصوم لهما في الساحة المسيحية. تراجعا عن اتفاقهما، مع القوى المسيحية الأخرى، في بكركي، على قانون النسبية الكاملة في 15 دائرة، وحققا ما عجز عنه كل محاولي إصلاح ذات البين بين القوى السياسية الشيعية السنية. فالمشهد غداً يعيد البلاد عقوداً إلى الوراء: أكثرية الساسة المسلمين في وجه أكثرية الساسة المسيحيين. وبدل أن يحمل باسيل مشروع الإصلاح الانتخابي، ويقود، باسم العهد الجديد، إلى تحقيق قفزة نوعية في مجال تصحيح تمثيل اللبنانيين، كل اللبنانيين، ها هو يُبعِد حلفاءه عنه، ويدفعهم إلى تبنّي خيار الرئيس سعد الحريري المطالب بالتمديد عاماً كاملاً، يراهن على لملمة وضعه الشعبي في غضونه. والأخطر، أنه، بالتكافل والتضامن مع سمير جعجع، يخلق مناخات طائفية لا تصبّ في خانة نقل البلاد إلى غدٍ أفضل.
والحل؟ ليس من مبادر قادر على اختراق قتامة المشهد سوى الجنرال. يمكنه، ببساطة، اللجوء إلى مبادرة اللحظة الاخيرة، عبر فرض مشروع قانون انتخابي على جميع القوى. قانون يشبه ما كان يقترحه الجنرال طوال السنوات الماضية، ويسمح بكسر حدة الاستقطاب الطائفي، ويُعطي أملاً للبنانيين بأن هذه البلاد لا تزال مكاناً يمكن أبناؤهم وأحفادهم أن يعيشوا فيه.

دعا الحزب الشيوعي
وجمعيات المجتمع المدني إلى التحرك رفضاً للتمديد

في الوقائع السياسية، بدأت القوات اللبنانية منذ ما قبل منتصف الليلة الماضية بدعوة أنصارها، وأنصار التيار الوطني الحر والكتائب، إلى التظاهر بسياراتهم يوم الخميس، لمنع النواب من الوصول إلى المجلس النيابي. ويراهن باسيل وجعجع على إمكان تعطيل الجلسة التشريعية غداً، بهدف منح رئيس الجمهورية بعض الوقت الإضافي لاستخدام المادة 59 من الدستور لمنع المجلس النيابي من الانعقاد لمدة شهر كامل (وهي المادة الدستورية التي لم يستخدمها يوماً أيّ رئيس للجمهورية منذ عام 1927). معركة المهل بدأت:
مؤيّدو التمديد يستندون إلى المادة 56 من الدستور، التي تفرض على رئيس الجمهورية أن يقرر نشر أي قانون في الجريدة الرسمية، أو ردّه إلى المجلس النيابي، في غضون 5 أيام فقط. وبطبيعة الحال، فإن رئيس الجهورية سيرد القانون إلى المجلس النيابي. ويمكنه في هذه الحالة أن يعطّل مجلس النواب لمدة شهر، ما يعني أن أمام مؤيدي التمديد 12 يوماً إضافياً، لإعادة إصدار القانون بـ65 صوتاً، ولو من دون موافقة رئيس الجمهورية. في المقابل، يراهن باسيل وجعجع على تعطيل انعقاد المجلس النيابي بقوة التحركات الشعبية، ما يعطّل رهان الممدِّدين على المهل التي «تقف إلى جانبهم».
الأمر إذاً لم يعد مساراً قانونياً ولا دستورياً. هي لعبة خطرة، عنوانها الشارع.
وفيما رأت قناة «أو تي في» أمس أن «التمديد إذا حصل إعلان حرب جديدة على لبنان»، كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد أكد نهاراً «أن الفرصة لا تزال سانحة للاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية يؤمن التمثيل الصحيح للشعب اللبناني بعدالة ومساواة». في المقابل، كشف مرجع رئاسي لـ«الأخبار» أن مفاوضات الايام الثلاثة الاخيرة شهدت عرض خمس صيغ لقوانين انتخابية على الوزير باسيل، أبرزها طرحها حزب الله، وتحديداً نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم، استناداً الى ما أنجزه مركز الدراسات في الحزب. ويقوم الطرح على اعتماد النسبية على أساس 6 دوائر انتخابية هي المحافظات التاريخية، والتي بحسب المشروع تعطي المسيحيين 52 نائباً بأصوات الناخبين المسيحيين. عرض قاسم الاقتراح على الرئيس نبيه بري الذي وافق عليه فوراً، وطلب حمله الى الرئيس ميشال عون. لذلك، حمل وفد من حزب الله يوم الأحد الماضي الصيغة الى عون، إلا أن باسيل الذي كان حاضراً الاجتماع، رفضها. كذلك، تضيف المصادر، نوقشت صيغ أخرى في اجتماعات اللجنة الرباعية التي ضمّت علي حسن خليل وحسين الخليل ونادر الحريري وباسيل، رفضها باسيل كلها. ومن بينها صيغة تؤمن 49 مقعداً مسيحياً من الناخبين المسيحيين، وأخرى تؤمن خمسين مقعداً مسيحياً من الناخبين المسيحيين. وبحسب المراجع، فإن اقتراح حزب الله للنسبية إذ يعطي المسيحيين 52 مقعداً بأصوات ناخبيهم، فإن المقاعد الاسلامية التي تنتخب بأصوات ناخبيها هي 51، لأن 4 نواب من الطائفة السنية و4 من الشيعة و3 من الدروز و2 من العلويين لن تتمكن طوائفهم من انتخابهم بأنفسها.
وكانت هيئة مكتب المجلس التي اجتمعت أمس برئاسة بري، قد حددت يوم غد الخميس موعداً لعقد جلسة تشريعية عند الثانية عشرة ظهراً. وأبرز بنود هذه الجلسة، وفقاً للنائب سيرج طورسركيسيان، «موضوع التمديد للمجلس النيابي بموجب اقتراح قانون معجل مكرر مقدّم من النائب نقولا فتوش». للتذكير، فتوش ليس إلا عرّاب تمديدَي 2013 و2014، ويتّكل عليه زملاؤه عادة في مواقف مماثلة. وفعلياً، لم يخذلهم أيضاً هذه المرة، بل آثر صياغة قانون معجل مكرر من مادة وحيدة يقول فيها: «بسبب الظروف الاستثنائية المبينة في الاسباب الموجبة، وتحاشياً للفراغ في المؤسسة الدستورية الأم، المجلس النيابي: تمدّد ولاية مجلس النواب الحالي لغاية 20 حزيران 2018. يعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية مع استعجال إصداره وفقاً للفقرة الأولى من المادة 56 من الدستور». أما أسبابه الموجبة فتتمحور حول تعذر إجراء الانتخابات وفق قانون الستين، وسقوط المهل الدستورية، والوضع الأمني المتمثل بنحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري، إضافة الى انفجار الوضع في عين الحلوة، وما الى هنالك. والتمديد لعام كامل هو مطلب رئيسي لتيار المستقبل الذي ضيّع رئيسه أمس وقت اللجنة الوزارية المكلّفة بحث قانون الانتخاب. وقد قضت اللجنة نحو ساعتين من الوقت في «التنكيت والسَّولَفة»، بحسب أحد المشاركين فيها. كذلك يريد كلّ من حركة أمل وحزب الله والاشتراكي التمديد «خشية الوقوع في الفراغ».
وفور تحديد جلسة للتمديد، انقسمت القوى السياسية ما بين معارض للتمديد كالتيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية الذي سبق له أن وافق على التمديد مرتين، إضافة إلى حزب الكتائب الذي برّر رئيسه سامي الجميّل تصويته لمصلحة التمديد في المرة الاولى بـ»النوم على درج المجلس ريثما يتم إقرار قانون انتخابي جديد». وفي المقابل، دافع بري عن حتمية تمديد ولاية مجلس النواب بغية إنقاذ السلطة الاشتراعية من الفراغ، قائلاً إن اقتراح تمديد الولاية يقع ضمن مبدأ أن الضرورات تبيح المحظورات، ومؤكداً تمسّكه بالنسبية، ومبدياً امتعاضه من مواقف الوزير باسيل على طاولة المفاوضات بقوله للمفاوضين الآخرين: «أي شيء إلا النسبية.

طالبت القوات بتنظيم
تظاهرات سيّارة لمنع النواب من الوصول إلى المجلس غداً
لا تأتوا على ذكرها، الشيطان إلا النسبية». لكنّ بري عوّل على توصّل الحكومة في الساعات المقبلة الى مشروع قانون انتخاب قبل جلسة الخميس، و«عندئذ ندمج القانون في اقتراح التمديد، فيكون أمامنا تمديد تقني. أمام مجلس الوزراء حتى الخميس للتوصل الى مشروع قانون، لكن بعد الخميس لن يكون هناك قانون إلا على أساس النسبية ولو قامت الساعة». أضاف الرئيس بري: «منذ أربع سنوات لا يتكلم الرئيس عون إلا عن النسبية ولا شيء سواها. الآن لم يعد جبران باسيل يقبل بالكلام عنها حتى». وقال: «يقول المثل حاكم سيّئ خير من لا حكم. لكن لا حكم يعني تدمير البلد. اللاحكم يعني الفراغ. ثمة من يحاول أن يفرض علينا قاعدة إما أركب عليكم أو أعتب عليك. فليعتبوا علينا. الخميس يكرم المرء أو يهان». وسئل برّي عن احتمال مقاطعة نواب حزب الكتائب والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر جلسة الخميس، فردّ: «أنا أنظر الى القاعة وأحسب هل هناك مسيحيون في الداخل أكثر ممن هم في الخارج؟ المسيحي مسيحي، وأنا لا أنظر اليه على أساس انتمائه الحزبي. هناك من يريد تفصيل القوانين على قياسه وحصر التمثيل به واستبعاد مسيحيين آخرين، كأن سليمان فرنجية ليس مسيحياً ولا بطرس حرب ولا ميشال المر». بدوره، بدا وزير الداخلية متشائماً من الوصول الى قانون انتخاب قبل الخميس، مشيراً الى أن التمديد «سيكون لمدة سنة»، و»منع الفراغ هو من أجل الحفاظ على الميثاقية». وكانت كتلة المستقبل التي عقدت اجتماعها الأسبوعي برئاسة فؤاد السنيورة قد رفضت هي الأخرى «الوقوع في أي فراغ في السلطة التشريعية». وفي هذا الإطار، أكدت مصادر بارزة في «المستقبل» أن الكتلة ستحضر جلسة التمديد يوم الخميس. موقف الحزب الاشتراكي جاء على لسان النائب وائل أبو فاعور الذي أكد بعد مغادرته السراي أن «جلسة الخميس قائمة وسنشارك فيها، والاتصالات ناشطة، ولكن لا نعرف إن كان التمديد للمجلس سيحصل أم لا». وكشفت مصادر مقرّبة من الطاشناق أن الحزب يتجه الى تكرار سيناريو 2014 بحضور الجلسة والاعتراض على التمديد.
ويوم أمس، عقد تحالف من المجموعات المدنية («برلمان لكل البلد») مؤتمراً صحافياً دعا فيه اللبنانيين الى النزول الى الشارع نهار الخميس لمواجهة التمديد غير الدستوري لمجلس النواب. كذلك دعت مجموعة «بدنا نحاسب» اللبنانيين الى المشاركة اليوم في التجمّع الذي تنفذه في ساحة الشهداء الساعة السابعة مساءً دعماً لإقرار النسبيّة في قانون للانتخابات النيابيّة وتحت عنوان: «النسبية خلاصنا». كذلك دعا الحزب الشيوعي اللبنانيين إلى التعبير عن رفض التمديد، اليوم وغداً، بالتزامن مع جلسة مجلس النواب.
(الأخبار)