* «صوتٌ يُقال عند زجر الصبيّ عن تناول شيء وعند التَقَذُّر من شيء»محيط المحيط


من الكلام المقبول في علوم النفس، وفي علوم تطوّر الحياة أيضاً، الكلام في انفعالات يسمّونها أوّليّة، تشمل البشر وبعض الحيوان. وفي رأي هؤلاء أنّ هذه الانفعالات فطريّة، وهي لكلّ فرد في النوع، أي إنّها ليست بالثقافة، وإنْ كانت الثقافات المختلفة والتجارب الشخصيّة ترسم لها أشكالاً وموضوعات قد تكون خاصّةً إلى هذا الحدّ أو ذاك. وهذه الانفعالات الأوّليّة هي في الرأي الغالب انفعالات الفرح والحزن والغضب والخوف والقرف والدهشة.

واللغات فيها أسماء أفعال وأسماء أصوات متّصلة بالشعور بهذه الانفعالات الأوّليّة، تدلّ عليها أو تتضمّنها بنوع من المحاكاة. من ذلك في العربيّة «أوْهِ» للحزن أو التوجّع، و«واها» للفرح أو التلذّذ، و«صَهْ» و«مَهْ» لطلب السكوت أو الكفّ متضمّناً انفعال الغضب، و«حذارِ» للتخويف، و«وَيْ» و«يوهْ يوهْ» للدهشة أو العجب، و«كِخّ» للقرف.
وهذه إنّما يكون استعمالها، بلاغةً، لما يفرضه الانفعال فرضاً من الصدمة الحسيّة والاختصار في العبارة.
أمّا الانفعال نفسه فمعروف عند هؤلاء العلماء بوظيفته الخطيرة في حفظ الحياة. فالقرف الذي هو موضوعنا اليوم إنّما هو في وقاية البشر والحيوان من تناول الأطعمة بانفعال الكراهة لِما فيها من سُمٍّ قاتلٍ أو أذى. وهو في مستوى المشاعر الاجتماعيّة أساسُ الاحتقار الذي يقابل مشاعر الإعجاب ممّا لا غنى عنه في حفظ التمدّن، والاجتماع البشريّ عموماً.
وهذا ما كان منّي، عفواً ورَغْماً، عند قراءة هذا النصّ في اقتراح قانونٍ للانتخابات النيابيّة، مقدّمٍ إلى أمانة سرّ مجلس النوّاب اللبنانيّ:
«يقترع الناخبون لمرشّحين من طائفتهم فقط، أمّا الناخبون المسيحيّون الذين ينتمون إلى طوائف الأقلّيات فيقترعون إلى مرشّحي الأقليّات. وأمّا الناخبون المسلمون الذين ينتمون إلى طوائف الأقليّات غير المخصّص لها أيّ مقعد في المجلس النيابيّ فيكون لكلّ منهم الحقّ في الاقتراع لمن يختارونهم من المرشّحين المسلمين إلى أيّ طائفة انتموا. وأمّا الناخبون اليهود فيكون لهم الحقّ في الاقتراع لمن يختارونهم من المرشّحين المسلمين أو المسيحيّين».
كخّ.
ولكنْ، لِمَ القرف؟ أليست هذه هي الحال؟
أجلْ. هذه هي حالُهم. كِخّْ.. كِخّ.