قال الإمام السيد موسى الصدر بتاريخ 1973/7/23: «أُلبِسَت الطائفية ثوباً دينياً، مع أنها أمر سياسي بحت، وإن كان مرجواً منها تحقيق شيءٍ من العدالة تحولت إلى تحقيق مغانمَ لأصحاب النفوذ».هي مقدمة ضرورية في ظل محاولات البعض لإعادة النقاش حول تكوين السلطة السياسية في العهد الجديد إلى منطلقات طائفية ومذهبية سلبية.

كان الرهان أن يؤسّس وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية مساراً تطويرياً لآليات تنفيذ الدستور اللبناني، خاصة البنود الإصلاحية منه، وفي مقدمها أمران أساسيان: الأول، إيجاد قانون للانتخابات النيابية يحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين اللبنانيين كمواطنين مرشحين وناخبين. والثاني، إقرار قانون يمنح القضاء استقلالية كاملة تطلق يديه للمحاسبة والمساءلة ومكافحة الفاسدين، في ظل تعذّر ذلك في المجلس النيابي، وتُسهم إلى جانب الأجهزة الأمنية المعنية في حماية السلم الأهلي والأمن الاجتماعي.
قال الرئيس عون إن تحقيق إنجازات جذرية يكون من خلال حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، التي يؤمل أن تفرز مجلساً نيابياً مختلفاً عن المُمَدِّد لنفسه حالياً، يضم في صفوفه بعض الإصلاحيين المتمردين على الطائفية والمؤهلين لمواكبة برنامج الرئيس من أجل تحقيق وعوده للبنانيين بدولة صالحة وعادلة. لكن ما الذي يحصل الآن؟
مشاريع قوانين الانتخابات، التي يطرحها الوزير جبران باسيل باسم التيار الوطني الحر، المحسوب على الرئيس عون، تؤكد أن القيّمين على قيادة هذا التيار لا يريدون له النجاح في تحويل تلك الوعود إلى وقائع مفرحة للبنانيين، وهم الذين استبشروا به أباً للكل، وفق الشعار الذي أُطلِق مع وصوله إلى سدة الرئاسة. والخشية، أن هذه القيادة تسعى إلى محاصرته وعزله عن كل اللبنانيين، بل الأخطر إسقاط الأبعاد الوطنية المميزة لشخصيته وتاريخه وتصويرها على أنها انتقاص من إيمانه الديني الراسخ.
حين تعاهد العماد عون والسيد حسن نصر الله على تفاهم وطني يوحّد اللبنانيين على قيم التعايش على أساس الوحدة والحرية والاحترام المتبادل، قدّما في المادة الثالثة من هذا التفاهم نصاً حول قانون الانتخاب يشير إلى النسبية حصراً باعتبارها أحد أشكاله الفعالة لضمان صحة وعدالة التمثيل الشعبي وليس الطائفي، وعلى أساس أنها تُسهم في تفعيل عمل الأحزاب، وصولاً إلى قيام مجتمع مدني وفي الحد من تأثير المال السياسي والعصبيات الطائفية!
يومها، اعتقدت كما أمثالي من المؤمنين بهذا الكيان، أن هناك بصيص أمل بإعادة بناء وحدة داخلية قائمة على الحوار الوطني باعتباره السبيل الوحيد لإيجاد الحلول للأزمات التي يتخبط فيها لبنان، كما ورد في المادة الأولى من ورقة التفاهم... وليس الشارع أو التهديد بالحرب الأهلية كما يرد في مواقف وتصريحات قيادة التيار المذكور. وترسخ اعتقادي الشخصي بذلك، بناءً على حوارات مباشرة مع العماد عون آنذاك. غير أن الوقائع والمواقف التي رافقت النقاش المتأخر حول صيغة قانون الانتخاب أوحت بأنَّ هناك مشروع نكثٍ بهذا العهد وانقلاباً عليه من خلال السعي إلى تشريع قانون يكرس "كونفدرالية طائفية" تحت ضغط إطلاق وتأجيج شعارات وعناوين طائفية قاربت استحضار مناخات بداية الحرب الأهلية المشؤومة.
وإذا كانت قيادة التيار حرةً في الخروج من تفاهمها مع حزب الله، إلا أن الرئيس، وبعدما عاهد اللبنانيين في خطاب القسم على حفظ الوطن وحماية وحدته الداخلية، مسؤولٌ عن عدم السماح لبعض المعتدين على السياسة، بأن يقود اللبنانيين، والمسيحيين منهم بالأخص، إلى منزلقات طائفية خطيرة تنهي عهد الرئيس عون قبل أن يبدأ ليؤسس لعهده الذي لن يكون.
كذلك تقع المسؤولية على رئيس مجلس النواب نبيه بري، من حيث موقعه التشريعي ومسؤوليته الحركية ليؤكد ــــ على الأقل ــــ ثباته على القيم والمبادئ التي قامت عليها حركة أمل التي تصدت للتقسيم بأشكاله كافة، من الكونفدرالية إلى الفدرالية، وكذلك محاربة التوطين والإدارة الذاتية واستبدال العَلَم الوطني، وذلك من خلال الوقوف في وجه محاولات قوننة مشروع التقسيم المطروح انطلاقاً من صيغة قانون التأهيل الطائفي.
لا شك في أن هُزال الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ انتخابات عام 1992 وفسادها أوصلانا إلى ما نحن عليه اليوم. لكن مجابهة ذلك تكون بوضع أسس وطنية للتغيير وآليات شفافة للإصلاح، لا أن يكون المبتغى السعي إلى اقتناص الحصص والانضمام إلى منظومة الفساد والطغيان على المواقع في الدولة لاستبدال موظفين بآخرين محاسيب وأزلام!
*مدير عام سابق لوزارة الإعلام