كان بإمكان الرئيس سعد الحريري أن يستبدل رعاية المصالحات وتناول «السندويشات» في المطاعم «الشعبية» بجلسات حكومية مكثفة للاتفاق على قانون انتخابات، يُسجّل من خلاله إنجازاً وحيداً لحكومته.
ولم يكن أحد ليلومه على «الترفيه» عن نفسه بنشر صورة له فوق دراجة هوائية داخل السرايا الحكومية، لو أنه كان واحداً من المنكبّين على صياغة طروحات انتخابية تعكس جديته في العمل على هذا الملف، وتدحض الشعور المتنامي في الوسط السياسي بأنه يريد التمديد للمجلس النيابي، ولا شيء سوى التمديد.
وكان بإمكان وزير الداخلية نهاد المشنوق أن يستثمر الودّ الشخصي الذي يجمعه ببعبدا وعين التينة وحارة حريك، ليتفوّق على الوزير جبران باسيل في طرح مشاريع القوانين، ويشكل جسراً للتواصل بين مختلف المكونات السياسية لتقريب وجهات النظر. لكنه آثر الجلوس جانباً، وكأنه تقصّد تغييب نفسه عن المشهد الانتخابي، بعدما كان أبرز اللاعبين المحليين في التسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون إلى بعبدا.
ليست هناك أسباب واضحة تبرّر للرجلين غيابهما أو تغيّبهما عن سابق تصوّر وتصميم، حتى في التصريحات السياسية. ففي حين تستدرج طروحات باسيل كل الأطراف الى التباري على ذمّها، يبدو تيار المستقبل كأنه الوحيد الذي لا يرفض شيئاً. هو مع «التأهيلي» و«المختلط» و«النسبي» و«الستين»... وكله بحجّة «التسهيل وعدم لعب دور المعرقل»!
المُقربون من الرئيس الحريري يعرفون أن ما يقوم به هو «انسحاب شكلي يحمِل الكثير في العمق». فهو يريد الحفاظ على تواصله مع حزب الله وعلى علاقته بحركة أمل، ولا يريد «كسر الجرة» مع الرئيس ميشال عون، وفي الوقت نفسه يستفيد من اشتداد عصبية باسيل المسيحية التي تستفز عصبيات أخرى، فيبدو بانكفائه كمن يحرّض، بطريقة غير مباشرة، بقية الأطراف على تنكّب مهمة الوقوف في وجه رئيس التيار الوطني الحرّ. نصائح المحيطين به فعلت فعلها. «الجلوس على ضفة النهر في انتظار مرور الجثة» للايحاء بأن ما يجري هو صراع مسيحي ــــ شيعي في الدرجة الأولى. خطّة المستقبليين تقتضي أن «يواجه حزب الله والتيار الوطني بعضهما بعضاً، حتى يظهر التناحر بين طرفين يريدان الحفاظ على مكتسباتهما، فيما الحريري هو رجل الدولة»، بما يحفظ موقعه كرئيس للحكومة بعد الانتخابات.
غير أن هذه الاستراتيجية لا تعني أن لا صراع خفياً بين الحريري والتيار الوطني الحرّ، كما لا تعني أن الحريري سيبقى في منأى عن تلقّي الضربات. العالمون بالمداولات الانتخابية يعرفون جيداً أن نادر الحريري، المستشار الأقرب الى رئيس الحكومة، هو أكثر من يخطّ ملاحظات تنسف طروحات باسيل الانتخابية. والخلافات مع الأخير حاضرة بقوة، بدءاً من تعيين أصغر موظف في الدولة وصولاً إلى صلاحيات رئيس الحكومة التي «يقوضها وزير الخارجية». فبحسب مصادر مستقبلية، الإعلان الأخير لباسيل بأن لا اجتماعات لمجلس الوزراء قبل الاتفاق على قانون انتخاب (الأمر الذي يعني تعطيل الحكومة) أثار حفيظة تيار المستقبل ورئيسه. التململ بدأ يطل برأسه في أوساط المستقبليين الذين يشكون من إظهار الحريري كأنه خارج المعادلة السياسية، ما يضعف موقع رئاسة الحكومة. وبالتالي، «لم يعُد ممكناً تخطي هذه التفاصيل». وإذا كان «المستقبل»، حتى اللحظة، يكتم استياءه، غير أن مجالسه الداخلية تعجّ بانتقاد «الخطاب الطائفي الذي يقود باسيل قاطرته». صقور تيار المستقبل يرون أن باسيل «الذي يقحم نفسه في معارك خاسرة، تجاوز كل الخطوط الحمر بخطاب تقسيمي لم يسمع اللبنانيون مثله منذ انتهاء الحرب الأهلية».
التململ المستقبلي يشمل أيضاً القوات اللبنانية التي «تسرّب منطق التعطيل إليها» بحسب تصريح للنائب عقاب صقر أخيراً. وبحسب مصادر مستقبلية، فقد جرى توسيط الرياض «للعمل على تخفيف اندفاعة القوات الى جانب التيار الوطني الحرّ». فالخشية من أن «يؤدي التعطيل إلى مشاكل دستورية وسياسية تكون نتيجتها سقوط اتفاق الطائف. وهذا لن يضرّ حزب الله، بل يهدد مكتسبات الطائفة السنية وحصة الرياض في لبنان».