أصدرت المحكمة العسكريّة، ليل الاثنين، حكمها في ملف «تظاهرة 8 تشرين الأوّل» المعروفة بتظاهرة «لو غراي»، وأعلنت براءة أربعة أشخاص من تهمة معاملة عناصر قوى الأمن بشدّة وهم بيار الحشاش ووارف سليمان وحسين ابراهيم وفايز ياسين، بعد فشلها في تقديم دليل واحد على ذلك، فيما ثبّتت مسؤوليّة رامي محفوظ بالتهمة، محيلة ملفه على قاضي الأحداث لتحديد العقوبة، كونه قاصراً، وذلك بعد أن اعترف بنفسه برمي الحجارة على «قوى الأمن».
ولا يعدُّ هذا الانتصار هو الأوّل لهؤلاء الشباب خلال مسار قمعهم بقوّة القانون، بل أتى نتيجة تراكمات، بعد أن تمسكّوا بحقّهم برفض مقاضاتهم أمام «القضاء العسكري» لتعارضها مع شرعة حقوق الإنسان. البداية مع فصل تهمتي «الشغب وتخريب الأملاك الخاصّة والعامّة» عن تهمة «معاملة قوى الأمن بشدّة»، رداً على مذكّرة الدفوع الشكليّة التي قدّمها المدّعى عليهم، كون هذه التهم لا تدخل ضمن صلاحيّة واختصاص هذا القضاء المنصوص عنها في القانون 24/1968، وهو ما سمح بإحالة ملفات 14 متهماً على القضاء العدلي، وأعاد القضاء العسكري إلى الحجم المُعطى له قانوناً، ولو أنه حجم ذو صلاحيّات واسعة تناقض أبسط مبادئ الديمقراطيّة وشروط المحاكمة العادلة. وصولاً إلى فرض عرض مجموعة من أشرطة الفيديو صوّرت خلال أحداث 8 تشرين الأوّل، كان قد استند إليها قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا لإصدار قراره الظنيّ «المُسيّس والقامع للحريّات» الذي أحال المتظاهرين على «القضاء العسكري»، وتبيّن من خلالها أنهم لم يشاركوا في التعدي على أي عنصر من قوى الأمن وفي أعمال الشغب كما ظُنَّ بهم.

المسألة ليست
قضية المدّعى عليهم بل قضية أي وطن تريدون لأبنائكم



وحوكم أمام القضاء العسكري 14 شاباً، شاركوا في تظاهرات «الحراك المدني» في صيف 2015، احتجاجاً على أزمة النفايات، قبل أن تتحوّل إلى مواجهة مع النظام الذي جابههم بقمع مُمنهج، وهم اعتُقلوا خلال تظاهرة «لو غراي» وأوقفوا في «ثكنة الحلو»، وصدر قرار ظنيّ عن أبو غيدا قضى بالادّعاء على كلٍّ من: رامي محفوظ، بيار الحشّاش، فايز ساسين، حسين ابراهيم ووارف سليمان بموجب المواد 346 و348 و381 و733 من قانون العقوبات لتشكيلهم جماعات شغب، ومقاومة القوى الأمنيّة بالعنف والشدّة ورشقهم بالحجارة، وتخريب ممتلكات الغير، وعدم تفرّقهم إلّا بعد استعمال القوة بحقّهم، وكلّ من: يوسف الجردي (توفي منذ نحو الشهرين بصعقة كهربائيّة)، علاء فقيه، زين نصر الدين، حسام غولي، محمد الترك، محمد موسى، خضر أبو حمد، سينتيا سليمان، ليال سبلاني وضياء هوشر بموجب المواد 346 و348 من قانون العقوبات لتشكيلهم مجموعات شغب خلال الحراك، وعدم تفرّقهم إلّا بعد استعمال القوّة.
بحسب وكيلة المتظاهرين المحامية غيدة فرنجيّة أتى الحكم ليؤكّد على «أحقيّة مطلب الشباب برفض التقاضي أمام هذا القضاء، كما على شفافيّة وقانونيّة عمل المحكمة العسكريّة، كون الحكم منصفاً». فيما تبقى الإشكاليّة بكيفيّة وصول الملف إلى هذه المحكمة أساساً، مُحالاً من قاضي التحقيق الأوّل أبو غيدا ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة صقر صقر، وكلاهما قاضيان عدليان يُدركان أن هذه التهم لا تدخل ضمن صلاحيّة المحكمة العسكريّة. ولربّما الردّ الأوضح تعبّر عنه المرافعة التي تلاها وكيل المتظاهرين المحامي شريف سليمان يوم الاثنين، عندما توجّه إلى القيّمين على العدالة قائلاً: «إن المسألة ليست قضية المدّعى عليهم بالذات، بل قضية أيّ وطن نريد وتريدون لأبنائكم»، وطن مستقبله قائم على الخنوع لسطوة النظام وأدواته أم مستقبل يُؤمل فيه تغيير؟