«موضة» المجتمع المدني «ضربت» في طرابلس أيضاً. أخذت مداها في الانتخابات البلدية حين تعاون «المجتمع المدني» مع الوزير السابق أشرف ريفي، في مقابل ترشح أفراد من جمعيات أهلية على لائحة التوافق السياسي، فكان هذا أول تناقض مع مفهوم المجتمع المدني. منذ ذاك، عندما يُسأل ريفي عن حليفه في الانتخابات النيابية المقبلة، يردّ بأنه «المجتمع المدني». تيار المستقبل، أيضاً، يُقدّم نفسه تياراً مدنياً وأنه سيكون جنباً إلى جنب هذا «المجتمع» في النيابة. وفي فلك الرئيس نجيب ميقاتي، تدور جمعيات وأفراد «المجتمع المدني». كذلك فإن الوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي ليسا بعيدين عن هذه الموجة. «المجتمع المدني» الطرابلسي يبدو كأنه غير قادر على العيش خارج جلباب السياسيين.
«الكلّ يريد أن يركب موجة المجتمع المدني»، تقول رئيسة نقابة موظفي المصارف في الشمال مها المقدّم. السيّدة التي رفضت الترشح إلى البلدية بعدما أخذت اللائحة طابعاً سياسياً (التحالف مع ريفي)، تصف «الحراك» في طرابلس بأنه عبارة عن «جمعيات أهلية وليس مجتمعاً مدنياً»، لافتة إلى «شوائب لا تخفى على أحد، منها تدنّي مستوى الاستقلالية. فالأغلبية تتقاضى مساعدات من السياسيين، وإلى حدّ كبير يُشكّلون حزب الأنا». «كان من المفترض أن تتصدّر النقابات المجتمع المدني»، بحسب المقدّم. لكنّها تحولت إلى «حدائق خلفيّة للمزارع السياسية». وتشير إلى أنه خلال أحداث جبل محسن ــــ باب التبانة، كانت النقابات والمجالس والنوادي والجمعيات الأهلية تعقد اجتماعات أسبوعية، ولكن «حين شعر السياسيون بأننا قد نُشكل خطراً عليهم عملوا على فرط التحرّك».
يوافق مسؤول محافظة الشمال في الحزب الشيوعي محمود خليل، على أنّ «المجتمع المدني الذي نهدف إليه، ويضم نقابات المهن الحرة والاتحاد العمالي العام واتحاد الشباب الديمقراطي والرابطة الثقافية، غير موجود. هناك نوع من الدكاكين تقوم ببعض الأنشطة، أو لتعزيز نفوذ أشخاص معينين». عمل «المجتمع المدني» تراجع لأسباب عدّة، «ونحن لا نتهرّب من مسؤولية أننا نتحمل جزءاً من ذلك، ولكن كلّ على قدر طاقته». حالياً، يُحاول الشيوعي إعادة إحياء العمل النقابي «خاصة حيث لدينا نفوذ». غياب العمل النقابي لا يلغي أنّ على «الجمعيات الأهلية أن تكون أكثر فعاليّة»، بحسب المقدّم.
من أبرز الجمعيات الناشطة في طرابلس: «رواد التنمية»، «أوتوبيا»، «التنمية الشاملة» في لبنان الشمالي، مجموعة «22 ألف»، «حراس المدينة»، «هيئة الطوارئ»، «شباب التنمية»...
شادي نشّابة (ترشح إلى البلدية على لائحة «لِطرابلس»)، مؤسس جمعية «أوتوبيا»، يُتهم بأنّه مُقرّب سياسياً من ميقاتي، وبالحصول على تمويل من «السفارات».

من النقاط السلبية التي تُسجّل على «المجتمع المدني» تقديم نفسه
كـ«حزب النخبة»

يبتسم لدى سؤاله عن الموضوع: «حين يقول كلّ واحد إنني تابع لطرف، فهذا يعني أنني غير تابع لأحد». يُعدّد في طرابلس ثلاثة أنواع من «المجتمع المدني»: جمعيات المجتمع الأهلي (رواد التنمية، أوتوبيا، هيئة الطوارئ...)؛ الجمعيات العائلية التي تتلقى مساعدات من السياسيين، والجمعيات التابعة للسياسيين (اتحاد الجمعيات والأندية في الشمال، كشافة الغد...). لا يجد نشابة حرجاً في انتقاد زملائه، «لم نصل بعد إلى مرحلة بناء خطاب موحد. فلا يُمكن ذلك بين أشخاص لا يُشبه بعضهم بعضاً بشيء». الرجل المتأثر بتجربة الوزير السابق زياد بارود، يعزو إعلان السياسيين نيتهم التحالف مع المجتمع المدني في النيابة إلى أنه «لكسب أصوات الناس التي تطمح إلى التغيير».
يُفرّق رئيس هيئة الطوارئ جمال بدوي بين «المستقل مثلنا، والانتهازيين والسماسرة»، في إشارة إلى الجمعيات التي تتلقى تمويلاً خارجياً. يُذكّر بـ «أنّنا أسسنا حملة حراس المدينة، وتظاهرنا ضد أزمة النفايات ومنعنا المرأب على التلّ». المفاجأة أنّ من تُطلَق عليهم تسمية «مجتمع مدني» في طرابلس، يسبقون مُحدّثهم إلى رشق هذا «المجتمع» بالحجارة. الاتهام الأساسي أنّه كان «مجتمعاً عريقاً استحوذ عليه السياسيون». علماً أنّ البدوي تحالف مع ريفي في البلدية، فذاب «المجتمع المدني» تحت عباءة اللواء المتقاعد، وسُجل النصر باسم الأخير. يُدافع بأنّ «الإعلام سلّط الضوء على ريفي. كنا اللائحة الوحيدة في الساحة، وهو تحالف معنا». لا يجد مانعاً من تكرار الأمر نفسه في النيابة، «نتحالف مع الذي يقبل بطروحاتنا ويمشي مع مشروعنا».
من النقاط السلبية التي تُسجّل على «المجتمع المدني» الطرابلسي، إضافة إلى تبعيته للسياسيين و«الأنا» المتضخّمة لدى أفراده، تقديم نفسه كـ«حزب النخبة»، علماً أنّ بعض الجمعيات الأهلية تنشط في المدينة القديمة، وهي على تماس مع حاجات أبناء المدينة. بداية العام، أطلق البدوي «اللقاء التمهيدي الأول للنخبة الطرابلسية». يوضح: «نحن حراس المدينة. ولكن ان كنتِ لا تملكين جيبة كبيرة (الأموال)، فلن تكوني قادرة على العمل الجماهيري. أفسدوه (السياسيون)».
عددٌ من «ناشطي مجتمع طرابلس المدني» تخرّجوا من تيار المستقبل. مؤسس «تيار قاوم» سامر فتفت، مثالٌ على ذلك. إعجابه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دفعه وعدداً من اللبنانيين ــ الفرنسيين إلى تأسيس حركة «إلى الأمام ــ لبنان الشمالي». يُنسّق «قاوم» مع الحراك المدني في بيروت، وحزب سبعة، و«بيروت مدينتي». وهناك بحث في أن «نترشح إلى النيابة تحت اسم واحد». لكن الإشكالية الدائمة هي: «هل نتحالف مع السياسيين؟ وما الموقف من أشخاص مستقلين أمثال شربل نحاس وزياد بارود وأشرف ريفي؟». إذا كان القانون نسبياً «فلن نتحالف مع أحد. أما إذا قمنا بتحالف، فلن يكون كالبلدية حين حدّد لنا ريفي من يكون الرئيس، بل نقول هذا برنامجنا ونحن لسنا جماعة أحد».
الرأي الآخر يُقدّمه عضو لجنة الانتخابات في حركة «مواطنات ومواطنون في دولة» منير دوماني. المعركة ليست «إنمائية وأين نريد أن نزرع شجرة أو نزيل مخالفات». بل العنوان واضح بأنّ «المواجهة سياسية حول كلّ المواضيع. نحن حركة سياسية على مستوى الوطن بمواجهة مباشرة مع السلطة. هذا هو الفرق بيننا وبين المجتمع المدني».