العداء والرفض العربيّان لإسرائيل لم يعودا قائمين، وبطبيعة الحال، العداء اللبناني. هذه هي رواية إسرائيل، لما يسمى «ظلما وعدوانا» الصراع العربي ــــ الإسرائيلي، الذي لم يعد صراع احتلال، بل مجرد كراهية ليهود من مجموعات تمتهن الكراهية والإرهاب. رواية، تتماهى مع إرادة وفعل معظم الحكام العرب، وبعض اللبنانيين.
على هذه الخلفية تفهم إسرائيل وتريد إفهام، أن مقالة الزميلة فاتن الحاج، التي كشفت قبل يومين حذف القضية الفلسطينية من المنهاج اللبناني وما أعقبها من ردود ووعد بالتصحيح، هو مجرد تحرك جاء بقرار من حزب الله، «المجموعة الإرهابية الموجودة» في لبنان، الرافضة والكارهة لإسرائيل، وعلى نقيض من معظم اللبنانيين. اما تبرؤ الوزير الياس أبو صعب، فجاء «خوفا من حزب الله»، والتصحيح المعلن عنه من قبل الوزير مروان حمادة، أيضا يأتي من «منطلق الخوف» لا أكثر، تضيف الرواية الإسرائيلية.
في رواية إسرائيل لا فعل مقاومة ورفض للاحتلال من قبل لبنانيين، بل مجرد كتاب وسياسيين وفاعليات... يتحركون بإشارة من حزب الله، الكاره لإسرائيل. اما الظلم والاحتلال والغزو والتضحيات والعذابات لاسترجاع الأرض وطرد المحتل، فأفعال منسية، رغم أن الاحتلال ما زال إلى الآن، متربصاً بلبنان، ويهدد، ليل نهار، مدنييه وبنيته التحتية.
مقالة الزميلة الحاج، التي كشفت من خلالها فضيحة للدولة اللبنانية، تستدعي ليس فقط التبرؤ والتصحيح وحسب، بل أيضا المحاسبة، تحولت في عناوين الصحف الإسرائيلية إلى موضوع سجالي خلافي، بين الدولة اللبنانية، التي أرادت «نبذ الكراهية»، وبين حزب الله، الذي اراد فرض الكراهية. صحيفة «يديعوت أحرونوت» عنونت تقريرها بعبارة «ضغط حزب الله ينجح»، في اشارة الى المقالة، وإلى التبرؤ والوعد اللاحق بالتصحيح. نعم هو مجرد تعليق عبري على خبر، أراد أن يحرف الفضيحة ويحولها إلى مادة خلاف داخلي لبناني، لكنه كاشف لمقاربة إسرائيل لقضية المعاداة للصهيونية وإسرائيل، التي تتغذى للأسف من إشارات الود وطلب وتفعيل التحالف بينها وأنظمة عربية، وللأسف أيضا من لبنانيين، يطلق عليهم وصف الاعتدال، ربطا بموقف تناسيهم لفظاعات إسرائيل في لبنان واحتلالها.
رواية إسرائيل عن مظلومية المحتل المكروه، وظلامية كاره الاحتلال لأنه ارهابي، تجد للأسف صداها في لبنان، وكذلك لدى العرب. حديث رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس للإذاعة العسكرية العبرية، بـ «أنني أرى تغييرا في ما يتعلق بإسرائيل في بعض الدول العربية، ليس على مستوى الأنظمة وحسب، بل أيضا وسط الرأي العام»، يشير إلى نجاح الرواية الإسرائيلية، التي استطاعات، بمعونة حكام العرب، ابعاد القضية الفلسطينية والاحتلال عن جزء كبير من الوعي الجمعي للرأي العام العربي. وحديث نتنياهو، قد يختصر كل التحليلات.
لدى حكام العرب واعلامهم، وللأسف أيضا لدى البعض في لبنان، يقاس التطرف والإرهاب، ربطا بـ«كراهية» إسرائيل وكراهية الاحتلال، الأمر الذي أتاح ويتيح لتل أبيب أن تتمسك بهذه الرواية وتتمادى وتبني عليها. فإذا نفض العرب أيديهم من مقارعة الاحتلال، بل وتحالفوا معه، فهذا يعني أنه لم يعد ذا صلة، وكل رافض له، هو كاره، ومتطرف، وارهابي.
في السياق نفسه، وليس بعيدا عن رد الفعل الإسرائيلي على مقالة الزميلة الحاج، جاء تعليق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، على تقديم نادي العهد الرياضي كأس بطولة الدوري اللبناني لكرة القدم، للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. تقرير الصحيفة، عبر عن «انزعاج» من فوز «الفريق الرياضي التابع لحزب الله»، الذي يرتدي بزات رياضية بلون علم حزب الله الأصفر... وأضافت أن نصر الله أمل أمام رياضيي الفريق، النجاح في البطولات العربية، و«جلب الفخر للبنان»، في إشارة منه، بحسب الصحيفة، إلى لبنانية الفريق ودوره.
تقرير «يديعوت أحرونوت»، حول فريق العهد الرياضي، عينة إضافية عن إرادة الفصل الاسرائيلية بين لبنان، غير الكاره لإسرائيل، وبين فئة أو مجموعة تمتهن الكراهية: حزب الله. قارئ التقرير يخلص في نهايته إلى نتيجة واحدة: حزب الله يستغل الرياضة، لدفع ايديولوجيته قدما في هذا البلد، وكي تكون منصة أو معبرا لتجنيد الشبان للقتال في سوريا! اما الدليل على ذلك، بحسب الصحيفة ايضا، فهو تقرير قناة «العربية» السعودية المعنون: حزب الله يجنّد لاعبي كرة القدم للقتال في سوريا.
في التقرير أيضا خلاصة لـ«يديعوت أحرونوت»: «هذه الأمور، وغيرها، تظهر بشكل كبير جدا، سيطرة وتحكم حزب الله على قطاع الرياضة في لبنان... وهو بدوره يعني، أن هذا التدخل في هذا القطاع، يعمق انتماء الحزب لبنانيا». في إشارة إضافية (تهدف إلى حفر في الوعي) إلى أن حزب الله خارج وطارئ على اللبنانيين.