قانون الانتخابات النيابية القائم على النسبية وفق 15 دائرة، له أهلٌ هم حزب «وطني، علماني، ديمقراطي»، المعروف بـ«وعد» برئاسة جو إيلي حبيقة. ملخصات الاقتراحات الواردة إلى وزارة الداخلية والبلديات في الـ 2005، لتعديل قانون الانتخابات، تُثبت ذلك.
ففي عام 2004، وبهدف «تأمين تمثيل واقعي لكل الأحزاب ومختلف القوى السياسية والاجتماعية، تجديد الحياة السياسية وتطويرها ورفع مستواها وليكون التنافس على أساس البرامج، إحياء الحياة الحزبية، إقامة تحالفات وكتل نيابية منظمة، ورفع نسبة المشاركة في الانتخابات»، اقترح ورثة الوزير الراحل إيلي حبيقة مشروع الـ 15 دائرة. وقسّموا الدوائر على الشكل الآتي: صيدا ــ الزهراني ــ جزين، صور ــ بنت جبيل، النبطية ــ مرجعيون ــ حاصبيا، بعلبك ــ الهرمل، زحلة، البقاع الغربي ــ راشيا، عكار، طرابلس ــ المنية ــ الضنية، زغرتا ــ بشري ــ الكورة ــ البترون، جبيل ــ كسروان، المتن، بعبدا ــ عاليه، الشوف، بيروت الأولى (الأشرفية، الصيفي، الرميل، المدور، المرفأ)، بيروت الثانية (المزرعة، رأس بيروت، المصيطبة، دار المريسة، ميناء الحصن، الباشورة، زقاق البلاط). لكن ضعف ذاكرة اللبنانيين من جهة، و«وقاحة» السياسيين الذين يتبارون لنسب المشاريع التي يعتبرونها ناجحة إليهم من جهة ثانية، وانكفاء «وعد» عن المشهد السياسي العام من جهة ثالثة، دفعت إلى أن يُصبح كلّ فريق «بيّ صبي» الـ 15 دائرة.

حبيقة: المشروع
يُقرّبنا من الخطابات السياسية الوطنية وينتشلنا من التقوقع


النائب جورج عدوان يعتدّ بأنّه صاحب «أرنب الحلّ». وضع جانباً أبلسة القوات اللبنانية لهذا المشروع، وراح يدور به من مركز قرار إلى آخر، مستفيداً من الخلاف بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والتيار الوطني الحر. فأتت النتيجة في نهاية المطاف: «مشروع عدوان». أثار الأمر حفيظة قيادة التيار العوني، التي وجدت نفسها مضطرة طوعاً إلى العودة عن رشق النسبية بالحجارة. فصرّح الوزير جبران باسيل بأنّ «قانون الدوائر الـ 15، أول من طرحه هو العماد (ميشال) عون في بكركي ووافقت عليه الأحزاب المسيحية الأخرى». مهلاً. قبل أن يُكمل باسيل، وغيره سياسةَ مُصادرة مشاريع القوانين، لا بُدّ من التذكير أنّ لجنة بكركي ناقشت مشروع النسبية وفق الـ 15 دائرة الذي أعدّه وزير الداخلية السابق زياد بارود في الـ 2010. كان ذلك قبل أن يُسلّم بارود المشروع، عام 2011، إلى خلفه الوزير السابق مروان شربل وتُصبح مسودة القانون تُعرف باسمه.
كلّ ذلك، فيما «براءة الاختراع» مُسجلة في مبنى ميرنا الشالوحي، حيث مركز «وعد». مصادر المكتب السياسي للحزب المذكور التي عملت على مشروع الـ 15 دائرة تقول إنّ الخيار كان النسبية «لأنها تؤمن عدالة التمثيل. أما الدوائر المتوسطة فقُسّمت بطريقة متجانسة طائفياً وجغرافياً حتى يكون الصراع فيها سياسياً، لا مذهبياً». المسودة نوقشت أمام لجنة فؤاد بطرس، التي استفسر أعضاؤها حول نقطتين: لماذا لا يوجد ذِكر للمغتربين؟ ولماذا ليس هناك كوتا نسائية؟ الجواب عن السؤال الأول كان «حتّى يبقى القرار وطنياً. أما بالنسبة إلى الكوتا، فهي إهانة للمرأة. والدستور ساوى بين الناس وأقرّ تكافؤ الفرص من دون تمييز».
قد لا يكون الـ 15 دائرة هو المشروع الأمثل بالنسبة إلى «وعد»، لكنه «يُقرّبنا من الخطابات السياسية الوطنية وينتشلنا من التقوقع والقبائل»، بحسب رئيس الحزب جو حبيقة. يقول لـ«الأخبار» إنهم كانوا يبحثون عن قانون عادل ويكون في الوقت نفسه أقرب إلى الواقع اللبناني، «والدليل مطالبة بقية القوى به». المشروع الأصلي «طرحناه من دون الزوائد التي تُضاف اليوم ليُصبح القانون مُناسباً لكلّ طرف». والزوائد هي نقل المقاعد، وعتبة التأهيل، وحصر الصوت التفضيلي. وُضع القانون في 2005 في أدراج وزارة الداخلية، «لأنّ كل واحد كان مُتمسكاً بقانونه ولم يكن هناك إمكانية أن يتفق طرفان على مشروع».
ليست النسبية التي تطرحها قوى السلطة اليوم إنجازاً، أو الخيار الأمثل. فالإصلاح وتحسين التمثيل لا يتحققان بتقسيمات وضوابط مُفصلة على قياس الأحزاب والتيارات الأكبر في الدولة. على الرغم من ذلك، سارعت هذه القوى إلى تسجيل حقوق المشروع باسمها. ربما السبب أنهم غير مطلعين على مشاريع القوانين المُقدمة. وربما يكون السبب، أنّ من وضع الـ 15 دائرة هو حزب إيلي حبيقة، العدو الأول لحزب سمير جعجع الذي تبنى المشروع، والرجل الذي حوّله «رفاق السلاح» إلى «شيطان هذا الشرق» الوحيد، وحُمّل كلّ أوزار فريقه السياسي السيئة في الحرب الأهلية.