من أصل إيرادات بيع أراض بقيمة 218 مليون دولار في عام 2016، بلغت قيمة الأرباح الصافية، التي أعلنتها سوليدير لمساهميها، نحو 63.1 مليون دولار. أين ذهب الفرق كلّه؟ في الوقائع، نتجت هذه الإيرادات من توقيع 11 عقد بيع بسعر للمتر المربع المبني يبلغ 2971 دولاراً، أي بثمن «متدنّ». إلا أن القيود المحاسبية تظهر أن الشركة خصّصت أكثر من 144 مليون دولار مؤونات لتغطية ديون معدومة أو مصاريف غير مدفوعة، ما عدا الديون الهالكة التي شطبت فوراً أو تلك التي شطبت عن سنوات ماضية...

يأتي ذلك على الرغم من أن تقرير مجلس الإدارة يواصل تقديم الوعود الواهية عن أن الشركة لديها من المقومات المالية ما يكفي «لمواجهة التحديات المختلفة وإنجاز ما تبقى من أشغال ومشاريع لمتابعة تحقيق أهدافها وحماية حقوق المساهمين». هذا الكلام الوارد في مقدمة التقرير ليس إلا «وعد ابليس بالجنة»، فقد حققت الشركة بين 1995 و2016، أي على مدى 21 سنة، إيرادات من بيع أراضٍ بقيمة إجمالية تزيد على 3 مليارات دولار، فيما لم توزّع على المساهمين سوى ما قيمته 1.14 مليار دولار. استهلكت إدارة الشركة القسم الأكبر من الأراضي التي استولت عليها في عام 1994، من دون أن تنجز مشروعها، بل حاولت التمدّد أفقياً وعمودياً لتغطية ما يحصل فعلاً في حساباتها.

كلفة الإدارة تبلغ
32.7 مليون دولار رغم صرف
مئات الموظفين

جاء التمدّد نحو الخارج بشكل مخالف لقانون إنشاء الشركة، فتأسست "سوليدير أنترناشيونال"، التي كان لديها عقود بمليارات الدولارات، ولم تلبث أن تقلصت إلى بضعة ملايين، ثم بدأت الشركة تبحث عن عقود في لبنان، وهو أمر مخالف لقانون إنشائها أيضاً. وتمدّدت الشركة أيضاً في طبيعة عملها، فأسست شركات خدمات وشركات سياحية الطابع، وأخيراً دخلت في مجال السينما (!). في هذا الوقت، كانت كلفة الإدارة ترتفع بوتيرة ملحوظة من 9 ملايين دولار في عام 2002 إلى 14.3 مليوناً في 2006، ثم 24.3 مليوناً في 2008، وبعدها قفزت إلى 42.7 مليوناً في 2010 ثم إلى 38 مليوناً في 2012، قبل أن تتراجع قليلاً في في 2016 إلى 32.7 مليون دولار، رغم صرف مئات الموظفين.
هذه الوقائع تظهر أن الفرق بين الإيرادات المجمّعة على مدى 21 سنة وبين أنصبة الأرباح المدفوعة للمساهمين خلال الفترة نفسها بلغ أكثر من 1.8 مليار دولار، ولم يستفد منه أصحاب الحقوق الذين يحملون أسهماً لا يزيد سعر الواحد منها على 9 دولارات، في حين أن قيمة أملاكهم اليوم تقدّر بملايين الدولارات.
لا يمتلك صغار المساهمين القوة الكافية لمحاسبة إدارة الشركة، في حين أن كبار المساهمين هم الذين يفوّضون أعضاء مجلس الإدارة، وبينهم سياسيون ومؤسسات دينية (مثل أبرشية بيروت المارونية، وقف فقراء كنيسة مار جرجس للطائفة المارونية، أبرشية أنطلياس المارونية، البطريركية المارونية ــ المحكمة الروحية المارونية الموحدة، الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية، الرهبانية الباسيلية الشويرية، وقف الجمعية الخيرية للروم الأرثوذكس، وقف طائفة الروم الأرثوذكس، وقف مار جرجس للروم الأرثوذكس، وقف فقراء كنيسة القديس جاورجيوس لطائفة الروم الأرثوذكس) ومصارف كبرى (مثل بنك نيويورك) وصناديق استثمارية وبلدية بيروت... معظم هؤلاء لا يعيرون اهتماماً لمصالح صغار المساهمين.
يحاول تقرير مجلس إدارة "سوليدير" التأكيد أن ملاءة الشركة المالية لا تزال كبيرة بالاستناد إلى ارتفاع قيمة السندات المحرّرة لمصلحتها والناتجة من عقود البيع إلى 509.3 ملايين دولار، فضلاً عن عمليات تسنيد سابقة بقيمة 45.3 مليون دولار، أي أن قيمة السندات المحررة لمصلحة الشركة 554.6 مليون دولار. في الواقع، إن ارتفاع قيمة السندات المحرّرة ليس أمراً مبشراً بالخير في شركة اضطرت إلى أن تبيع 11 قطعة أرض في 2016 بأسعار أدنى من الرائجة، لا بل يعني هذا الأمر أن هناك الكثير من المشاكل مع الزبائن. وقد بدا هذا الأمر أكثر وضوحاً من خلال تفاصيل المؤونات التي خصّصت، إذ كان بينها 100 مليون دولار كاحتياطات عامة عن عقدي بيع جرى إلغاؤهما وعن السندات المحرّرة لأمر الشركة عن عقود بيع العقارات. وما هو لافت في التقارير السنوية السابقة أنه يكاد يخلو أي تقرير سابق من مؤونات متصلة بمشاكل متعلقة بعقود مع الزبائن كانت كلفتها مرتفعة جداً على ميزانيات الشركة.
وأكثر من ذلك، فإن الشركة اضطرت في عام 2016 إلى أن تتوقف عن الاستدانة من خلال التسهيلات المكشوفة، ولجأت إلى استبدالها بديون قصيرة الأجل، وهو ما زاد أعباء الفوائد على ميزانية الشركة التي تكبدت 36 مليون دولار فوائد فقط، علماً بأن مجمل التسهيلات والقروض المصرفية القصيرة الأجل والمتوسطة الأجل تبلغ 606 ملايين دولار، اي أنها تفوق السندات المحرّرة «غير المضمونة».
وفي 2016 استنفدت الشركة كل أوراقها لدعم سعر سهم سوليدير، إذ سجّلت في القيود المحاسبية خسائر بقيمة 35 مليون دولار لدعم السهم، فيما تبيّن أن كلفة الإيجارات ارتفعت بنسبة 23%، ما يعني أن التعثّر في التحصيل ليس المشكلة الوحيدة لدى الشركة، بل لديها مشكلة سيولة وارتفاع الكلفة الإدارية والتشغيلية.