لا أفق زمنياً حتى اليوم لعودة أبناء طفيل إلى منازلهم وأرزاقهم في بلدتهم في جرود السلسلة الشرقية. كل المؤشرات تدل على ذلك. انسحب المسلحون من سبنا ومزرعة درّة وسهل رنكوس في الأراضي السورية المحاذية لبلدة طفيل، على إثر اتفاق مضايا الزبداني ـــ كفريا الفوعة، وتوافرت الضمانات لأبناء طفيل من قبل حزب الله والجيش اللبناني، بإمكانية العودة في الأسبوع الأول من شهر أيار المنصرم.
حددت الساعة الصفر لانطلاق موكب الأهالي من مدينة بعلبك، بعد إعلان رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك إمكانية العودة إلى بلدتهم، ليعترض بعدها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لجهة أن وزارة الداخلية «لا تكلف بالمنابر»، ومن أن «الوزارة لم تنسّق أو تتعاون مع أي حزب أو جهة سياسية أو أمنية». ألغيت سائر الترتيبات، وعاد أهالي طفيل إلى انتظار القرار بموعد جديد يصدر عن الداخلية بعد لقائهم المشنوق. إلا أن ذلك الموعد لم يأت بعد، وسط مزيج من مشاعر الضياع والقلق والاستياء من قبل أهالي طفيل لجهة «تقاعس الدولة» في إعادتهم الى بلدتهم، في الوقت الذي عادت فيه عائلات إلى طفيل من القرى السورية، كما عادت عائلات سورية إلى عسال الورد من بلدة عرسال، وينتظر أن يعود آخرون خلال أيام.

مختار طفيل:
سنخسر مواسمنا
للعام الحالي إذا تأخرت عودتنا أكثر


إلا أن اللافت أن لا أحد يملك إجابة واضحة عن ماهية المعوقات التي تحول حتى اليوم دون عودة أهالي طفيل. مختار بلدة طفيل علي الشوم أكد لـ«الأخبار» «عدم وجود جواب شاف لتساؤلاتنا عن أسباب عدم عودتنا إلى البلدة حتى اليوم، علماً بأننا نراجع بشكل شبه يومي مكتب وزير الداخلية والبلديات، وقيادة الجيش، والجواب دائماً مبهم وغير واضح، مع وعود بأن العودة ستكون قريبة»، كما يقول. 17 عائلة لبنانية عادت من قرى حوش العرب وعسال الورد إلى منازلها وأرزاقها في طفيل، منذ 17 أيار الفائت، «فيما نحن النازحون في بلدنا لن نتمكن من العودة إلى بلدتنا اللبنانية، وسنخسر مواسم بساتيننا للعام الحالي إذا ما تأخرت عودتنا أكثر»، بحسب ما يشرح الشوم.
معاناة أبناء طفيل حالياً تكاد تكون أصعب، خصوصاً أنهم بنوا آمالهم على العودة إلى بلدتهم، بعيداً عن «مآسي النزوح واعتبارهم غير نازحين، وعدم توافر المساعدات الأممية لهم في مخيمات عرسال على اعتبار أنهم لبنانيون». ليس هذا وحسب، فقد تلقّوا ضمانات من الجيش وحزب الله بالعودة الآمنة مع ما يملكون من آليات وسيارات وجرارات زراعية بلوحاتها السورية، بعد تنظيم لوائح اسمية بسائر الذين سينتقلون من عرسال إلى طفيل، ليفاجأوا لاحقاً بتوقف العملية بأكملها، و«كأن أحداً تعنّت برأيه ولا يريد لنا العودة»، بحسب أحد أبناء طفيل في عرسال. مفتي بعلبك ـــ الهرمل السابق الشيخ بكر الرفاعي أكد من جهته لـ«الأخبار» أنهم ما زالوا بانتظار قرار العودة من الجيش ووزارة الداخلية، رغم إنجاز سائر الترتيبات اللازمة، مبدياً تخوّفه من دخول ملف عودة أهالي طفيل في آتون «البازار السياسي». وشدد الرفاعي على أن التأخير في عودة لبنانيين إلى بلدتهم «سيضع الدولة في دائرة الاتهام، لجهة عدم الاهتمام بمواطنيها، ووضعهم في آخر سلم أولوياتها لجهة إعادتهم إلى بلدتهم»، مطالباً رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بـ«إيلاء الموضوع الأهمية اللازمة والكافية، وإيعازه إلى الجهات الموجودة على الأرض بالتواصل مع أهالي طفيل وإعادتهم بأسرع وقت إلى بلدتهم ومواسمهم وأرزاقهم التي فارقوها منذ 3 سنوات».
وعلمت «الأخبار» أن الجيش أنهى ترتيباته الأمنية، وتمركزه في عدد من النقاط، ومن بينها تلة النمرود المشرفة على طفيل مباشرة، وأن الأجهزة الأمنية الأخرى على جاهزية لذلك. لكن أين العوائق التي تحول دون عودة 70 إلى 80 عائلة من أهالي طفيل إلى منازلهم وأرزاقهم؟ مصادر متابعة أكّدت أن لا إشكالية سياسيّة حول العودة، بل «لوجستية». وتقول المصادر إن «الأمن العام اللبناني قام الشهر الماضي بإصلاح الطريق التي تربط طفيل ببلدة حام قدر الإمكان، باستخدام جرافة على نفقة الجهاز الخاصة»، وأن «الطريق باتت سالكة أمام السيارات الرباعية الدفع، وتحتاج إلى عمل إضافي لتصبح سالكة لجميع السيارات». بدورها، تقول مصادر وزارة الداخلية إنه لا عائق أمام العودة سوى انتهاء وزارة الأشغال من تعبيد الطريق. غير أن مصادر وزارة الأشغال تؤكّد أن «إصلاح الطريق يحتاج إلى الاعتمادات اللازمة، ما يعني أن على مجلس الوزراء إقرار تلك الاعتمادات». وتقول مصادر الأشغال إن إصلاح الطريق «من قريبو» يكلّف ما لا يقلّ عن أربعة مليارات ليرة، في حين أنه «يمكن إنشاء طريق دائمة بمبلغ قد يقارب 20 مليون دولار، فلماذا لا يتمّ إصلاح الطريق بشكل نهائي؟». والسؤال في عهدة الحريري ومجلس الوزراء الذي يلتئم غداً الأربعاء، حيث يمكن أن يطرح بند تأهيل الطريق من خارج جدول الأعمال، حتى يتسنّى لأهالي طفيل العودة إلى بلدتهم، طالما أنه لا مانع أمنياً أو سياسياً من العودة، لإنهاء هذا الملفّ ومعاناة الأهالي.
وتجدر الإشارة إلى أن بلدة طفيل اللبنانية تقع أقصى شرقي لبنان، ولا طريق معبّدة تصلها بالقرى اللبنانية. ومنذ عشرات السنين يعيش أهلها كما لو أنهم مواطنون سوريون، لناحية استشفائهم، ومدارس أبنائهم، وخدمات الهاتف، وتجارتهم، وتسجيل سياراتهم، واستخدامهم للعملة السورية... ومنذ ولادة الجمهورية اللبنانية، لم تعبّد الدولة طريقاً إلى طفيل. وهذه ليست المرة الأولى التي تعد فيها الدولة الأهالي بإيجاد صلة وصل بينهم وبين لبنان. ففي نهاية تسعينيات القرن الماضي، ارتكبت طائرات العدو الإسرائيلي مجزرة في البلدة، فاستفاقت الدولة على طفيل، ووعدت بشق طرق إليها، من دون أن يتم تنفيذ الوعد، رغم مرور نحو 20 عاماً عليه.
أمّا في عرسال، فقد انعكست أصداء المفاوضات الإيجابية، ونجاح انتقال 50 عائلة إلى عسال الورد مع قرب موعد انتقال عدد أكبر من العائلات السورية النازحة في البلدة، ارتياحاً، حيث يرى عدد من أبناء البلدة أن عودة النازحين إلى قراهم التي باتت آمنة أصبح أمراً ملحّاً، ولا بد للدولة اللبنانية من أن تشارك في ذلك. ويقول أحد المصادر في البلدة إن «عرسال تختنق يوماً بعد يوم أمنياً واجتماعياً واقتصادياً، وآن الأوان لتعالج مشاكلنا ونتخلص من معاناتنا اليومية». وعلمت «الأخبار» أن الجيش استكمل عملية الكشف على جزء من الجرد الأدنى لعرسال، من الجهة الجنوبية للبلدة، الأمر الذي يسمح بعودة ما يقارب 60 بستاناً إلى
أصحابها. وتمتد هذه المنطقة من محلة سرج حسان عند مدخل البلدة صعوداً إلى رأس المجر وحقاب الحياة وسهل الأرنب ووادي سويد، وصولاً حتى عقبة الجرد ورأس وادي عطا، وهي منطقة باتت آمنة ستضم إلى البلدة وتحت حماية مواقع الجيش من جهة ومواقع حزب الله من جهة ثانية.