رغم ابتعادي منذ أكثر من عقد ونيّف عن الإعلان مهنة أساسية لي والتزامي بمجال الاستشارات الإعلامية والتواصلية الاستراتيجية، إلا أنني شعرت بالاستفزاز والمهانة التي تروّج لبيرة عبر مسلسل من الإعلانات التي تنتهي بكلمات مفادها إن الإعلان لا زال جارياً ويتبع...
والبيرة المثيرة تصرّ على إظهار شركات الإعلان والمبدع الإعلاني ذكراً وأنثى بنموذج الغباء أو البله، حيث لا يستوعب الشاب أو الشابة معلومات بديهية عن مزايا البيرة المعلنة، ونلحظ حوارهما الذي يصرّ على إظهارهما بصورة المهرج أو المعتوه أو العاجز عن استيعاب ما يقال لهما.
أما البعد الثاني في هذا المسلسل الإعلاني وهو لا يقل عنصرية وإمعاناً في إهانة نموذج المبدع ووكالة الإعلان في لبنان، فهو الإمعان في تصوير المحترف لهذه المهنة المميّزة والمشرفة على أنه مجرّد من القيم والمهنية الأخلاقية، إذ تناور الشابة وتتمرّن لتبرّر فشل إيجاد الفكرة المثالية للبيرة المثيرة، فإذا هي مرة تكذب أو تدّعي بأن مانع إبداعها هو مرض احد أقاربها ودخوله العناية في المستشفى، أو تتحجّج بالأبراج التي نصحتها بأن لا تفكر بينما يعجز زميلها عن استيعاب كلام العامل في شركة البيرة والذي لا يتعدى كلامه أبسط شروط مراقبة الجودة ووصف عملية التصنيع.
مؤسف أن تُهان مهنة ويعمّم نموذجها كما لو أنها بؤرة مدعين سُذّج فارغين وشبه محتالين فاشلين، وذلك لترويج بيرة وقعت في الإثارة المهينة ولَم تولد فكرة رغم أنها تدّعي البحث عنها.
ما هكذا تورد الإبل. وصناعة الإعلان والإبداع هي مصدر فخر للبنان، وجامعاتنا كلها التي أفردت لها كليات لتعليمها وريادة لبنان للإعلان في العالم العربي والفوز المتكرر للبنانيين ولبنانيات من المبدعين والمبدعات لجوائز أوروبية وعالمية: كل هذا الإنجاز لا يستحقّ حتماً تسطيح وتتفيه وتسفيه وتنميط العاملين في هذا القطاع المميز، والذي هو عن جدارة مصدر اعتزاز لكلّ لبنان.
كلمة أخيرة: أولاً: المرح أو الإيحاء بالدهاء (humor and wit) يتطلب إبداعاً وظلالاً (nuance) غير متوفرة حتماً في هذا المسلسل الأقرب إلى الركلام منه إلى إعلان. وثانياً: الإثارة والجنوح إلى السهولة والتعدي على كرامة مهنة مبدعة لن يبيع البيرة المثيرة لأنه كلام "رغوة" بلا محتوى.