بعد مرور 29 عاماً على افتتاحها، اتُّخذ منذ أسبوعين قرار إغلاق مكتبة البترون العامّة، التي ضمّت حتى تاريخ إقفالها نحو 5 آلاف كتاب. قرار بلدي، يُقال إنه مُخالف لبروتوكول إنشاء وعمل المكتبة الموقّع بين وزارة الثقافة وبلدية البترون، كان كفيلاً بإفراغ رفوف المكتبة وخزائنها، وتوضيب بعض من كتبها وتوزيع البعض الآخر على مدارس المدينة وأفراد فيها، وإغلاق أبوابها.
تأسّست مكتبة البترون عام 1987 لتكون نواة لاستحداث مركز ثقافي بلدي، ونُقلت إليها الكتب الموجودة في مكتبة "واحة الرجاء" في بيروت، بمسعى من منسّق تجمّع الهيئات الثقافيّة في لبنان والمسؤول في الحركة الثقافيّة الدكتور عصام خليفة، الذي يشير إلى أنها "ضمّت نحو 17 ألف كتاب عندما ترأس مارسيلينو الحرك بلديّة البترون، وتوسّعت إلى أن تخطّى عدد الكتب الثلاثين ألف مجلّد وكتاب عند إغلاقها". تكتسب المكتبة أهمّية بالغة، وتُعدُّ إحدى أهمّ المكتبات العامّة في لبنان لما تحويه من كتب نادرة وموسوعات علميّة منوّعة، وهي إضافة إلى المجلة الفصليّة التي كانت تصدر عنها، تحوّلت طوال الأعوام السابقة إلى مرجع للباحثين، وملجأ لطلاب المنطقة، ومقصد للنشاطات الثقافيّة.

وزارة الثقافة: قرار البلدية مُخالف

الأعمال التي رافقت إغلاق المكتبة حرّكت مواقع التواصل الاجتماعي استنكاراً، ودفعت "لجنة متابعة الدفاع عن المكتبة" إلى التواصل مع وزير الثقافة روني عريجي، الذي أصدر قراره رقم 3037، ويطلب فيه "الرجوع عن قرار الإقفال وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه"، مشيراً إلى أنه "قرار مُخالف للبروتوكول الموقّع بتاريخ 15/3/2003 بين وزارة الثقافة وبلدية البترون، ولا سيما البنود 4 و5 و6 و7 من المادة الثانية منه، وهو اتخذ دون إعلامنا مسبقاً أو حتى طلب رأينا بخصوصه، بما يتعارض مع سعي الوزارة إلى تعزيز المكتبات العامّة التي أسهمت في تجهيزها وتطويرها في مختلف المناطق اللبنانيّة".

تطالب لجنة الدفاع
عن المكتبة بعطل وضرر يصل
إلى مليون دولار

وألحق القرار ببيان صادر عن "مثقفي بلاد البترون" يصف القيّمين على البلدية بـ"داعش البترون" تيمّناً بتنظيم "الدولة الإسلاميّة" الذي أحرق مكتبة الموصل بعد أن نهب محتوياتها ودمّرها، مشيرين إلى أنه "بدلاً من أن تعمل البلدية على تكوين وجمع الذاكرة التاريخيّة للمنطقة، وزّعت وثائقها وتجهيزاتها مجاناً على جهات مختلفة"، مطالبين وزير الثقافة والجهات القضائيّة والتربويّة والمجالس الثقافيّة بالتحرّك إزاء ما وصفوه بـ"الجريمة الموصوفة بحق تراث البترون وحاضر المدينة وماضيها ومستقبلها".

على ماذا ينصّ البروتوكول؟

يحدّد البروتوكول المذكور أسس وشروط التعاون والتنسيق بين الدولة (وزارة الثقافة) والبلديات التي أنشئت فيها مكتبات عامّة، وهو ترك للجنة الإداريّة والبلديّة كلّ صلاحيات إدارة المكتبة بمعزل عن وزارة الثقافة التي انحصر دورها بإرسال الكتب والمساعدة في بعض النشاطات، بحيث تتعهّد فيه البلديّات بأن تبقي لها مكاناً واسعاً لا يقل عن 100 متر مربّع غير رطب ونظيف وأن تبقيها مفتوحة للجميع 16 ساعة أسبوعياً على الأقل، وتكون هي المسؤولة عن صيانة وإعداد المكتبة وسلامة المواد الموجودة فيها، على أن ترصد اعتمادات خاصّة لعملها في موازنتها الخاصّة، وأن تعدّ نظاماً داخلياً لها، وتُنشئ لجنة إدارية برئاسة رئيس البلديّة وعضوية ممثلين عن أهالي البلدة، في مقابل أن تمدّها الوزارة بالكتب والدوريات الثقافيّة، وأن تساعدها في تنظيم النشاطات الثقافيّة، وأن تتابع نشاطات المكتبة وتطلع على كافة الإحصاءات الواردة إليها لتقدّم المشورة والدعم لتفعيلها.
تستند "لجنة المتابعة" إلى البروتوكول للتأكيد أولاً أن المكتبة هي وديعة عند بلدية البترون ولا تستطيع التصرّف بها، وثانياً أن من واجب البلديّة الحفاظ على موجودات المكتبة. ثالثاً للتركيز على دور المجتمع المدني المُمثل في لجنتها الإداريّة. وللإشارة إلى أن البلدية لم تنفّذ مندرجات البروتوكول. ويشير خليفة إلى أن "لجنة متابعة الدفاع عن المكتبة ستلجأ إلى القضاء وستقدّم شكوى أمام النيابة العامّة للمطالبة بعطل وضرر يصل إلى مليون دولار، استناداً إلى المادة 103 من قانون البلديات التي يعاقَب أي رئيس بلدية يخلّ بواجباته، مع الإشارة إلى أن معلوماتنا تؤكّد أن القرار اتخذ دون موافقة كامل أعضاء المجلس البلدي". ويتابع: "لقد أطلقنا عريضة لتحريك الرأي العامّ موقّعة من أبناء المنطقة تطالب بإعادة الكتب إلى المكتبة وإعادة فتحها للعموم، خصوصاً أن القضية التي ندافع عنها هدفها الإنماء الثقافي من خلال المعرفة ومجتمع المعرفة، وهو دفاع عن جوهر الإنماء المستدام، لا دخل لها بالعمل السياسي".

ردّ البلديّة

ما يحصل هدفه التصويب على رئيس بلدية البترون مارسيلينو الحرك. هذا ما يؤكّده بنفسه لـ"الأخبار"، مشيراً إلى أن "من يقف خلف الحملة، هم أشخاص فصلوا من المركز الثقافي في البترون (المكتبة جزء من نشاطاته)". وردّاً على توزيع أكثر من 30 ألف كتاب، يقول الحرك: "هناك مبالغة في هذا الرقم، فالمكتبة كانت تضمّ نحو 4000 كتاب، وهي أساساً لا تسع لأكثر من ذلك. لقد وزّعت الكتب على مدارس البترون: الكبوشيّة، واليسوعيّة، راهبات العائلة المقدّسة والثانويّة الرسميّة، وهي كتاب لقرّاء تراوح أعمارهم بين 5 و 15 سنة، وهناك قسم منها وضع في المبنى الجديد للبلديّة، حيث خصّصنا طابقاً كاملاً للمركز الثقافي، وهي بالتالي لم تُبَع أو تُرمَ أو تتلف كما يُشاع".
ويتابع الحرك: "نحن لم نقفل المكتبة، بل نعمل على تطويرها وربطها بمكاتب خارجيّة عبر الإنترنت لتقديم خدمات أشمل للطلاب والباحثين الذين يقصدونها، خصوصاً أن عدد زوّارها إلى تراجع بالشكل الذي هي عليه، ولقد نقلنا موقعها إلى مبنى البلديّة لأسباب عدّة، أولاً لأن هذا هو ما ينصّ عليه نظامها الداخلي. وثانياً لأن الموقع الأوّل لم يعد مناسباً للكتب نتيجة رطوبة المكان، وثالثاً لأن صيانته والعناية به تكبّد البلديّة نحو 3 آلاف دولار شهرياً، وهو هدر للمال العام المؤتمن عليه"، مشيراً إلى أن القرار اتُّخذ بقرار من المجلس البلدي لا بقرار فردي منه، عملاً بالنظام الداخلي الخاصّ بالمكتبة، مؤكّداً أن البروتوكول لا يلزمه بالتشاور مع وزارة الثقافة، بل بنوده واضحة وتحدّد صلاحيات الوزارة بتزويدنا بالكتب والمساعدة في تنظيم النشاطات والاطلاع على الإحصاءات الواردة.