30% من سُكّان المنطقة العربية حاليا هم من فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما، بحسب تقرير "التنمية الإنسانية العربية لعام 2016: الشباب وآفاق التنمية واقع متغير".
حجم هذه الكتلة الشبابية السكانية "غير مسبوق في تاريخ المنطقة"، وبالتالي يغدو اغتنام هذه "النافذة الديمغرافية" ضروريا من أجل استثمار الطاقة التي يختزنها الشباب في تحقيق التنمية المُستدامة. من هنا كانت دعوة التقرير الأساسية الى تمكين الشباب اقتصاديا واجتماعية من أجل دفع مجتمعاتهم نحو تركيبة أفضل.

البطالةُ بين الشباب العرب هي الأعلى في العالم

يأتي هذا التقرير بعد مرور نحو خمس سنوات على "اندلاع" الانتفاضات في عدد من البلدان العربية. ويُشير الى أن الأحداث التي شهدتها البلدان العربية منذ عام 2011، أنتجت واقعا من التهميش والغاء الفرص أمام الكثير من الفئات الشابة التي وجدت نفسها عاجزة عن تحسين مُستقبلها، لافتا الى أنه "على ضوء مسارات التنمية التي اعتمدتها العديد من البلدان العربية، من المحتوم أن يزداد هذا الواقع سوءا لمنطقة لم يبلغ 60% من سكانها بعد سنّ الثلاثين".
يقول مُعدّو التقرير أن الانتفاضات العربية "أكّدت الإقصاء الاقتصادي والسياسي لكثير من الشباب الذين حُرموا التأثير في السياسات العامة التي تمسّ حياتهم. ولأن الشباب العربي مُمثلين بصورة ضعيفة في المجال العام، فإنّ سياسات تنمية الشباب لم تجد طريقها الى جداول أعمال الحكومات العربية".
يُشير التقرير الى أن آفاق الشباب في المنطقة تتعرّض لأكثر من أي وقت مضى لخطر الفقر، الركود الإقتصادي، فشل الحكم والإقصاء، موصيا بضرورة تغيير المواقف الإجتماعية التي تُعامل الشباب العرب بوصفهم مُعالين غير فعالين أو مجرّد جيل في الانتظار.
البطالةُ بين الشباب العرب هي الأعلى في العالم، وقد بلغت نسبتها عام 2013، 29% مُقابل 13% عالميا. وبحسب التقرير، تحتاج المنطقة الى خلق ما يصل الى أكثر من 60 مليون وظيفة جديدة في العقد المُقبل لاستيعاب العدد الكبير من الداخلين الى القوى العاملة.
أبرز تداعيات ارتفاع نسب البطالة، هو ارتفاع نسبة الشباب غير المتزوج. ووفق التقرير، 50% من الرجال ممن تراوح أعمارهم بين 25 و29 عاما في المنطقة غير متزوجين، وهو المعدّل الأعلى بين المناطق النامية، علما ان هذه النسبة كانت قبل جيل واحد فقط 37%.

فشل نموذج التنمية في بلدان المنطقة العربية

بحسب التقرير، اتبعت المنطقة العربية منذ زمن طويل، نموذجا للتنمية يُهيمن عليه القطاع القطاعُ العامّ ويُحوِّل الحكوماتِ الى موفرات للملاذ الأول والاخير. ويعتمد هذا النموذج العربي "المعيوب" على أشكال غير فعالة للتدخّل أو إعادة التوزيع، تُعوّل في طرق تمويلها على مكاسب خارجية بما في ذلك ريوع وتحويلات من عائدات النفط.

الشباب العربي يرث مجتمعاتٍ راكدة
أو عنيفة

يُشير التقرير الى أن عدم المُساواة ينمو بسرعة أكبر في المنطقة العربية. إذ انخفض متوسط دخل الأسرة السنوي بين أفقر الأسر في المنطقة العربية من 4600 دولار أميركي في السنة عام 2008 الى 4100 دولار عام 2012. خلال الفترة نفسها، ارتفع المؤشّرُ بين أغنى الأُسر من 29,900 دولار إلى 33,600 دولار. ويبدو أن أغنى االعائلات العربية تكسب ما يزيد على 25% أكثرَ من أغنى الأُسر في بلدانٍ أُخرى متوسطةِ الدَّخل. يوّصف التقرير نوعية التعليم في المنطقة العربية بـ "الرديئة"، ويلفت الى أن المهارات المحدودة بين القوى العاملة، مؤشّر آخر على رداءة قدرات رأس المال البشري، "فأكثر من ثُلُث أرباب العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يُركِّزون على أنّ المهارات غير الكافية عامل أساسي".

التحديات الصحية

يقول التقرير ان الشباب يعانون رداءة الوصول الى مرافق الرعاية الصحية. كُثُرٌ من الشباب العرب، ولا سيّما في أقلِّ البلدان نموًّا والمناطق الريفية على نحو عامّ، "عُرضةٌ لسلوكياتٍ محفوفةٍ بالمخاطر، وخصوصًا التدخين، وتعاطيَ المخدِّرات، والقيادةَ المتهوِّرة التي ترفع معدّلاتِ المرض والوفاة. كذلك يتزايد تعرض الشباب العربي للتأذي من مشاكل في الصحة العقلية والجنسية.

الإسلام السياسي والميل نحو العنف

لا تزال الغالبيةُ العظمى من الشباب في البلدان العربية ملتزمةً التقاليد المحافظة. وتُشير الاستطلاعات إلى وجود دعمٍ كبير للإسلام السياسي. في الجزء الذي يدرس طبيعة النظم السياسية العربية، يلفت التقرير الى استغلال السياسيين لعباءة الدين وسعيهم الى اذكاء النزاع مع النظام السياسي العلماني. يُشير التقرير الى ان عامل الديمغرافيا يُساهم في الجنوح الى التطرّف العنيف بين الشباب "الذين يُمثلون مخزونا يمكن تجنيدهم أكثر من ذي قبل". إلا أن هناك عوامل أخرى تُزكي خطر الانجراف وراء التحركّات المتطرّفة. أبرز هذه العوامل هو شعور عام بالاستبعاد وانعدام الفرص.

طاعة السلطة

وفق التقرير، تُعدّ المنطقةُ العربية، المنطقة الأكثرَ امتثالًا للطاعة من المعدَّل العالمي بنحو 11% . ويُشير الى أنّ الطاعةَ بين الشباب أقلُّ انتشارا مما هي عليه بين الأكبر سنا، كذلك الأقلُّ انتشارا بين ذوي التعليم الجيد مما هي عليه بين غير المتعلمين.. وتتجلّى قوةُ تأثير العُمر وما يَنتج عنها من فجوةٍ بين الأجيال في المنطقة أكثرَ ممّا هي عليه في بقية العالم، ما يَدلّ على أن الشبابَ يتغيّرون بسرعة. لكنْ سرعان ما يستطرد التقرير ويلفت الى ان هذه المغايرة تتسّم بـ "الحدّة"، إذ يتضاءل أثرُ التعليم مقارنةً ببقية العالم، عاكسًا مناهجَ تربَويةً وأساليبَ تعليميةً تُثبِّط التفكيرَ النَّقدي وتُشجّع بدلًا من ذلك موقفًا مطيعًا نحوَ سلطةٍ أعلى.

الفجوة بين الجنسين وتقييد حريات الشابات

سجّلت المنطقةُ أكبرَ فَجوةٍ في العالم وفقًا لمؤشِّر الفَجوة العالمي بين الجنسين عام 2012 الذي يأخذ في الاعتبارِ التمكينَ السياسي والمشاركةَ الاقتصادية والفرصَ المتاحة. وبلغ معدل الفقر بين النساء 31% فيما بلغت نسبته بين الرجال الـ 19%. ويخلص التقرير الى أنه مع اكتساب الفصائل المحافِظة مزيدًا من القوة، يَزيد احتمالُ أن تَصير تحرّكاتُ الشابّات وسلوكيّاتُهنّ ولباسهنّ أكثرَ تقييدًا، بما في ذلك من سلطات إنفاذ القانون؛ فيما تَنزع حريةُ الخِيار بين النساء حول مسار حياتهنّ إلى التضييق. ويختم: "النزعة الأبوية ما زالت قوية في المنطقة، لكنها تضعف تدريجيا".
صحيح أن الكثير من الشباب العرب يكتسبون تعليما مرتفعا ويعيش بعضهم حياة أطول وباتوا على ارتباط أكبر بالعالم الخارجي، لكنّ تعزيز التنمية الإنسانية، بحسب التقرير، "ليس ذا معنى إلّا إذا كانت لدى لدى الناس فرصة متاحة لاتخاذ خياراتهم، وبالتالي إلّا إذا كانوا أحرارا لممارسة هذه الخيارات". وبهذا المعنى، يكون أيُّ تحسّن في مؤشّر التنمية البشرية غيرَ مكتملٍ ما لم يَقِس بقدرةَ الناس على التصرُّف. يخلص التقرير الى أن الشباب العرب ليسوا المجموعة السكانية الوحيدة التي تحمل وطأة السياسات الفاشلة، وليسوا وحدهم من يعانون آثار الحرب والنزاع، "لكنْ ما لم تُحوَّل الاتجاهاتُ الحالية، فلَسوف يَرِث الشباب العرب مجتمعاتٍ راكدة أو عنيفة، وأنهم هم الذين سيُضطرّون إلى إعادة بناء هذه المجتمعات".