يتندّر "الزحالنة" من باب الفكاهة بدعوة الزوار للتمتع بتجربة فريدة من نوعها في لبنان ألا وهي الكهرباء 24/24. مشهد، على براءته، لا يخفي غصة وحرقة بأن يتحول حق بدائي لأي مواطن إلى إنجاز يستحق المفاخرة به.
هكذا "يتعاطف" أهالي زحلة وسكان القرى الـ 17 المجاورة الذين ينعمون بتيار كهربائي على مدار اليوم مع بقية اللبنانيين كما لو أنهم من بلد آخر ويعدون بسخرية بأنهم سيصلون لكي يأتي اليوم الذي قد نتشارك فيه معهم "نعمة" النور.
يتفق الزحالنة على عدد من الأمور التي يشعرون بأنها تبدلت في حياتهم اليومية بعد تأمين التغذية الكهربائية بشكل متواصل. من المتغيرات بالنسبة إليهم "تنظيم الوقت". أصبحوا هم من يتحكمون بوقتهم بدل أن يكونوا خاضعين لديكتاتورية التقنين والمواعيد الثابتة لقطع التيار الكهربائي.

وداعاً للشموع

بات بالإمكان تشغيل
الشوفاج في الصفوف طوال ساعات الدوام

تشير جوسلين شعنين وهي معلمة وربة منزل الى أن حياتها المنزلية أصبحت أكثر عملية وراحة وسلاسة. لم تعد مضطرة إلى انتظار كهرباء الدولة لتشغيل الغسالة والنشافة وسخان المياه والكوي. في أي ساعة من اليوم ومتى شاءت بات بإمكانها القيام بمهماتها على أكمل وجه من دون مراقبة عقارب الساعة والخوف من أن يغلبها الوقت قبل أن تنهي "فوج الغسيل". وكونها معلمة تشرح شعنين أنه من الناحية المهنية تحسنت الحال كثيراً وخاصة في فصل الشتاء بالنسبة إلى التلاميذ والأساتذة حيث بات بالإمكان تشغيل الشوفاج في الصفوف طوال ساعات الدوام. أما عن الكلفة وهل شعرت بتبدل ملموس، فتوضح شعنين أن فاتورة الكهرباء انخفضت تقريباً بمقدار النصف.
تفاجأ حين تكتشف أن المولدات في أغلب أحياء عروس البقاع كانت تنطفئ عند منتصف الليل. ووفقاً لعضو بلدية زحلة جورجيت زعتر فإن "الشموع كانت رفيقتنا بعد الساعة 12 ليلاً في حال انقطاع كهرباء الدولة". وتوضح "كنا نحذف تلقائياً من يومنا ساعات الفجر الأولى، أما الآن فبتنا نشعر بحق أن اليوم يتكون من 24 ساعة بلا زيادة أو نقصان.
وتلفت زعتر إلى نقطة مهمة وهي الأمان، " ففي زمن المولدات، كانت عندما تنقطع كهرباء الدولة تتم إنارة السوق التجارية فقط، اما الآن فكل أحياء زحلة تنعم بالنور ليلاً". وبالنسبة إليها فإن حجم التخفيضات في الفاتورة تقدر بحوالى 50% عن المرحلة السابقة.

إيجابيات اقتصادية

على صعيد التجار، فإن الإيجابيات كبيرة. فمن ناحية لمن يملك منتجات تحتاج إلى برادات كي لا تتلف لم يعد لديهم هذا الهم. كما أن الحياة العملية أصبحت أسرع والتكاليف باتت أقل.
بالنسبة إلى جو سابا وهو تاجر في سوق زحلة "تخلصنا من دقائق الانتظار الفاصلة بين انقطاع الكهرباء وتحويل المولدات حيث نقف والزبائن في الظلمة لا حول ولا قوة لنا. كما أن التغذية الكهربائية مستقرة، ما يعني أن الضوء لم يعد يخفت ويقوى حسب ما إذا كانت الكهرباء مصدرها الدولة أو أصحاب المولدات."
أما المهندس الزراعي وصاحب أحد المعامل الزراعية في زحلة قزحيا الذوقي فيؤكد أن الوضع الحالي أفضل بكثير أكان عملياً من حيث سرعة الإنتاج أم مادياً لناحية انخفاض الكلفة، وخاصة أن المعمل يستهلك كمية كبيرة من الطاقة.
الحياة أسهل تقول منى شمعون وهي ربة منزل من زحلة إن "الحياة أصبحت أسهل. لم نعد نشغل بالنا عند انقطاع الكهرباء بضرورة سحب البراد أو الغسالة أو أي آلة كهربائية تستهلك طاقة كي لا يفصل الديجنتير." تضحك مشيرة إلى أن هذا الروتين كان رياضة يومية اعتادوها، أي الركض من غرفة إلى أخرى في المنزل لتخفيف الإنارة.
لم تخلق الكهرباء في زحلة المعجزات ولم تميز أهالي زحلة عن بقية العالم. هي بكل بساطة منحتهم حقاً من حقوقهم. وإلى أن ينعم لبنان بأكمله بالكهرباء طوال ساعات النهار، يبقى علينا أن نأمل أن تكون صلوات الزحالنة مستجابة.