خلال خمسة أعوام، استُحدث أكثر من مئة مكب عشوائي موزّعة بين مختلف المناطق. آخر الإحصاءات يشير إلى وجود نحو 800 مكب عشوائي في لبنان، بعدما كان عددها عام 2011 يبلغ 670 مكبا، وفق ما أشارت حينها دراسة مُعدّة من شركة «الأرض» ومُمّولة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمصلحة وزارة البيئة. حاليا، تتولّى الجهات نفسها إعداد تقرير مُحدّث عن واقع المكبّات وتفاقم أعدادها في ظل «اندلاع» أزمة النفايات صيف 2015، ويتوقع إطلاقه مطلع الشهر المُقبل. بحسب المعنيين، خطة «إصلاح» واقع المكبات التي وعدت بها وزارة البيئة منذ خمس سنين لم «تُقرّش» واقعا مغايرا، وساهمت أزمة النفايات في تزايد أعداد المكبات، خصوصا في منطقة جبل لبنان «التي لم تكن تشهد وجود مكبات عشوائية».وتجدر الإشارة الى ان بلدات وقرى قضاءي الشوف وعاليه لا تزال غارقة في نفاياتها نتيجة استثنائها من خطة معالجة النفايات الحكومية التي أقرت في آذار الماضي.
والخطر الأبرز الناجم عن هذه المكبّات التي ينتشر غالبيتها بين الأودية والسهول، حيث إمكانية «إخفائها» أسهل، هو تسلّل عُصارتها الى الأتربة ووصولها الى المياه الجوفية. وهذا الخطر يتفاقم في مواسم المطر. وفي ظل التشكيك في «متانة» البنى التحتية وقدرتها على منع اختلاط «مياه النفايات» بمياه الشفة، يغدو التنبه من الأمراض المتأتية من المياه الملوّثة ضرورياً.

وفي معرض تناولها لمدى جدية خطر «الكوليرا» في ظل تكدّس النفايات في موسم الشتاء، أشارت رئيسة دائرة مكافحة الأمراض الإنتقالية في وزارة الصحة عاتكة برّي في حديث سابق لـ «الأخبار»، إلى أن خطر تساقط الأمطار على النفايات يكمن في احتمال تسرّب رواسب النفايات الى التربة وبالتالي الى المياه الجوفية، وهو ما يرتب تداعيات خطرة على المدى البعيد، «كأن يرتفع عدد الإصابات بمرض السرطان وغيره». ماذا عن خطر «الكوليرا»؟ تقول اختصاصية أمراض وبائية (رفضت ذكر اسمها لحاجتها الى اذن المؤسسة التي تعمل فيها) ان الكوليرا عبارة عن جرثومة مصدرها البراز، تعيش في الماء، وتنتقل اذا شرب الشخص مياها ملوثة أو تناول أكلا ملوّثا، «من هنا، يجب التذكير بضرورة الإنتباه الى بنية الصرف الصحي والآلية الموجودة وإذا ما كان يجري خلط بين مياه الصرف الصحي ومياه الشفة».
وتضيف: «خطر الكوليرا يتفاقم اذا تساقطت الأمطار على النفايات التي تتضمّن بقايا براز كالحفاضات وأوراق الحمامات، وتسرّبت هذه الأمطار الى مياه الشفة المُستخدمة في الأكل»، لافتة الى التداعيات «الكارثية» المُتوّقعة. وعلى الرغم من أنه يجري التركيز على خطر «الكوليرا»، كنتيجة «حتمية» لتساقط الأمطار و»احتكاكها» مع النفايات، إلا أن هناك آلاف الجراثيم التي قد تتأتى عن عمليات التفاعل بين المياه وهذه النفايات، وفق ما تشير، كالسالمونيلا مثلا، لافتة الى خطر انتشار مرض الطاعون نتيجة تكاثر الجرذان.
من جهتها، تقول أستاذة الكيمياء المتخصصة في تلوّث الهواء في الجامعة الأميركية في بيروت نجاة عون صليبا لـ «الأخبار»، انه رغم أن تساقط الأمطار على النفايات المُكدسة لا يُحدث أثرا تلقائيا على الهواء، «لكنّ تغلغل الأمطار في أكوام النفايات المُكدّسة يؤدي بعد الصحو وبعد التعرّض لحرارة الشمس الى «تخمير» يُنتج فطريات وعفونة تتطاير في الهواء، ما يجعل الكثير من المُقيمين يُعانون مشاكل في التنفس وأمراضاً في الجهاز التنفسي وخصوصا لأولئك الذين يعانون أنواع الحساسية».
وللتذكير، أثبتت دراسة صدرت أخيرا عن الجامعة الأميركية في بيروت أن العاملين والقاطنين في مناطق تتكدّس فيها النفايات عشوائياً، مُعرّضون للإصابة بأمراض في الجهاز الهضمي والتنفسي أكثر من غيرهم بنسبة تفوق 400%. ويقول أحد المعنيين في ملف المكبات العشوائية إن الخطر الثاني الذي يتأتّى من هذه المكبّات، ناجم عن عمليات الحرق التي يلجأ اليها «القيّمون» على المكب بهدف تقليص حجم النفايات. عمليات الحرق هذه التي جرت قبل موسم الشتاء، ضاعفت بدورها المواد المُسرطنة في الهواء لأكثر من 416 مرة بحسب دراسة صدرت عن الجامعة الأميركية في كانون الأول الماضي.