قد يكون الرئيس سعد الحريري واللواء أشرف ريفي متشابهين في التفكير والعقلية أكثر ممّا يتصورّ أحد. الإختلاف الأساسي هو في التعبير عمّا يستبطنه كل منهما نتيجة المصلحة التي تتحكّم في التعاطي السياسي مع مجمل الملفات.
وقد أفلح الخلاف على خيارات «الضرورة» في جرّهما إلى القطيعة، ووصل إلى حدّ قول «الوزير» الطرابلسي إن «الحالة الحريرية إنتهت». وفي الأشهر الأخيرة، لامس التراشق الإعلامي بين الطرفين سقفاً عالياً، قبل أن ينطفئ فجأة منذ الزيارة الأخيرة التي قام بها الوزير السعودي تامر السبهان إلى بيروت. فهل أوصل الموفد السعودي رغبة بلاده في إنهاء هذا الخلاف؟ وما حقيقة المعلومات التي تتحدّث عن وساطة تقوم بها بعض الشخصيات بهدف إجراء «صلحة» بينهما؟
في آب الماضي، أشارت صحف سعودية الى «وساطة، محلية واقليمية، للمصالحة بين الحريري وريفي حققت تقدماً ملحوظاً». لم يظهر شيء إلى العلن، ففُسّر ما نُشر بأنه «شائعات»، قبل أن تتردد معلومات في تشرين الماضي عن أن «أحد نواب المستقبل فاتح الحريري بموضوع تسوية الخلاف مع ريفي، وقد أبدى رئيس التيار علامات تؤشر الى إمكانية ترتيب العلاقة بينهما». إذاً أصبحت الإشارات كثيرة، وتزامنت مع كلام مستقبلي راهن بأن «ثمّة شيئاً قيد الإعداد، غير أن الوصول إلى تفاصيله شديد التعذّر لأنه محصور بحلقة ضيقة جدّاً». مع ذلك، يشير ما يُنقل عن مصادر الطرفين إلى وجود قبول مبدئي بإعادة فتح قنوات التواصل. وهذه فرضية تعزّزها مصادر شمالية تؤكّد أن «ما من جهة يُمكن أن تقوم بمبادرة فردية من رأسها، لولا وجود ضوء أخضر»، مشيرة إلى أن «الإتجاه المستقبلي يُمكن أن تكون له علاقة بالإتصالات التي حصلت بين ريفي والرئيس نجيب ميقاتي، تحت غطاء تحييد الإنماء عن السياسة في طرابلس». وقد يكون هذا الإتصال «أثار خوف رئيس تيار المستقبل من تحالف سياسي في ما بعد، فرأى أن أفضل حلّ لقطع الطريق على مثل هذا التحالف، هو اعادة التواصل مع ريفي أو على الأقل تجميد الحملات ضده».

الإتصال بين ريفي وميقاتي أثار خوف الحريري من تحالف سياسي في ما بعد


وتعزّز هذه المصادر كلامها بما حصل منذ أيام، حين «غرقت شوارع طرابلس بالمياه نتيجة الأمطار، وبدأ مستقبليون حملة تنقير على البلدية ومن خلفها ريفي. لكن الحملة سرعان ما توقفت، ويرجّح أن ذلك حصل بقرار من القيادة المستقبلية». وكشفت المصادر أن «فكرة المصالحة مصدرها سعودي، وأن السبهان طرح الأمر خلال زيارته، مطالباً بإنهاء الحرب الإعلامية بينهما». وفيما رأت المصادر أن «القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري هو وحده من يستطيع أن يمون على الرجلين»، أشارت إلى أن «النائبين فؤاد السنيورة وأحمد فتفت يمكنهما أداء دور إيجابي»، وخصوصاً أنهما «لم يقطعا العلاقة مع ريفي في أوج خلافه مع التيار».
لا حاجة عند المستقبليين الى نبش حكاية «التمرّد» الذي قاده ريفي ضد الحريري. كل ما مضى «ليس كافياً كي تبقى الأبواب موصدة في زمن الإنفتاح على كل الأطراف، بمن فيهم خصوم الماضي، ومن نختلف معهم على الثوابت». فكيف إذا «بمن هم أقرب إلينا في ما خصّ المبادئ التي جمعتنا حول ثورة 14 شباط». لا تؤكّد مصادر التيار المعلومات ولا تنفيها، من دون أن تغفل الإشارة إلى «طراطيش كلام» في شأن هذا الموضوع. ما لديها من معلومات في هذا الشأن، يتعلّق بما بعد الإنتخابات الداخلية في تيار المستقبل، حيث «أوكل الأمين العام أحمد الحريري بالملف الطرابلسي، دوناً عن بقية نواب الشمال، لإرساء تهدئة لم يعرف ما إذا كانت لها علاقة بريفي مباشرة»، لكن النتائج التي أفرزتها الإنتخابات تؤكدّ «إيلاء هذا الجانب أهمية»، حيث إن «الممثلين الذين انتخبوا في المكتب السياسي عن طرابلس لا يشكلّون أي استفزاز لريفي، وهذا بحدّ ذاته خطوة جيدة».
من جهتها، أشارت مصادر ريفي الى أن «العلاقة مع تيار المستقبل منذ استقالة الوزير لا تزال كما هي. على الرغم من أن فرصة قد أُهدرت للتحالف في الإنتخابات البلدية بسبب رفض المستقبل، وقراره التحالف مع باقي القوى الطرابلسية ومنها بعض قوى 8 آذار». ورأت المصادر أن «بعض سعاة الخير يتحركون بين ريفي والمستقبل، منذ أن وقع الخلاف السياسي، لكن لا يُمكن اعتبار ذلك بمثابة مبادرات جدّية، لأنها تجري بمسعى فردي». وأشارت إلى أن «ما حصل بين اللواء ريفي والرئيس الحريري ليس خلافاً شخصياً، بل اختلاف في الرؤية السياسية وطريقة مقاربات الأزمات، وخصوصاً في ما يتعلّق بكيفية إدارة المواجهة مع النفوذ الإيراني المتمدّد في لبنان». وأكد المصادر أن «ريفي يرفض الإنقسام، وهو منفتح على كل ما يؤمّن الإلتقاء على الثوابت التي يفترض أن تجمع القوى السيادية، وهذا الإلتقاء إن تحقّق لا يحتاج إلى مبادرات ولا مصالحات، بل إعادة تقييم المرحلة الماضية، وما ارتكب فيها من أخطاء، والإستعداد للمرحلة المقبلة التي تتطلب توفير كل عناصر الصمود في وجه محاولات الإنقضاض على الدولة والمؤسسات، والإستمرار بتوريط لبنان في أزمات المنطقة».