منذ ثلاثة أيام، يقبع الشاب باسل الأمين في «نظارة» مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية والمعلوماتية، بسبب رأي شخصي نشره على صفحته الخاصة على موقع «فايسبوك»، وانتقد فيه إحدى الفقرات ضمن برنامج «هدّي قلبك» (على قناة أو تي في) (http://www.al-akhbar.com/node/268301).
يومها، نشر الأمين «ستاتوس» عبّر فيه عن رأيه «الخاص» بالفقرة، فكتب عبارته التي استحال، بموجبها، معتقلاً. تلك التي حمّلها «غضبه»، عندما قال «صرماية اللاجئ والعامل والمواطن السوري بتسوى جمهوريتكم وأرزكم ولبنانكم ويمينكم واستقلالكم وحكومتكم وتاريخكم وثورتكم ورؤساكم شو فهمنا؟».
لم يكن الأمين ينتظر الجواب على «شو فهمنا؟»، فقد انتهت القصّة معه بسطرين على صفحته الخاصة، إلا أنّ الجواب أتى من مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية «غير تبع المخدرات»، كما علّق يومها باسل على استدعائه، للتحقيق معه بـ«فشّة خلقه». ذهب الأمين، ومنذ 72 ساعة لم يعد. وأكثر من ذلك، لم يعرف أحد السند القانوني الذي استوجب توقيفه احتياطياً لهذه المدّة، قبل أن يجري تحويل ملفه، ظهر أمس، إلى قاضي التحقيق الأول في بعبدا، جان فرنيني، الذي حوّله بدوره إلى قاضي التحقيق بيار فرنسيس. حتى أفراد عائلته لم يعرفوا كيف سيق الشاب إلى التحقيق، فجلّ ما وصل إليهم بالتواتر هو «رأي القاضية رندا يقظان اللي على ما نظن حدا عرض عليها القضية، وقالت إنو هذا الأمر يمس بهيبة الدولة، وهاي عقوبتها بتبلش من 6 أشهر»، يقول عمّ الموقوف، راشد الأمين. أما ما عدا ذلك، فلا شيء.
حتى ظهر أمس، كانت السيناريوات ترسم على مقاس مواد القوانين «المطاطية». وما أمكن معرفته حتى هذه اللحظات، بحسب المحامي علي الدبس الذي سيتوكّل عن الأمين، أنّ «هناك إشارة لتحقيره الرمز الوطني، الذي هو الأرزة، إضافة إلى إثارته للنعرات». هذا ما وصل أيضاً للمحامي الدبس بالتواتر
إن كان لا بد من الحديث من الناحية القانونية الصرف، لا نص صريحاً ــ ولا حتى غير صريح ــ يمكن تحت لوائه اعتبار أن ما فعله الأمين هو جرم. ويمكن اللجوء إلى الكثير من الآراء القانونية في هذا الإطار، منها ما يقوله المحامي نزار صاغية، إذ يؤكد الأخير أن «لا سند قانوني لا للملاحقة ولا حتى للتوقيف». ويصيف «ما كتبه هو تعبير عن الرأي، ويمكن لأي شخص يغار على وطنيته أن يعتبر ما كتبه الأمين أمراً مكروهاً، لكنه ليس جرماً، وهناك فارق بين ما يمكن اعتباره مكروهاً وما هو جرم». وهنا، يأتي دور القاضي في «الفصل ما بين المكروه والجرم الذي يعاقب عليه القانون». هذا ما يفرضه عليه دوره، أما إذا قرر التوجه صوب ما يكره الناس «فبنكون وقعنا بكارثة»، يقول صاغية.

هذا التصرّف البوليسي لا شأن له إلا إيصال رسالة لكل من تسوّل له نفسه ممارسة حريته

في حالة الأمين، التي يعتبرها صاغية الحالة الأولى من نوعها، لا شيء يدلّل في «الستاتوس» على أن هناك جرماً. ففي جردة على «الجرائم» التي يمكن أن يعاقب عليها القانون، هناك مثلاً المس بهيبة الدولة وتحقير العلم والمس بالشعور القومي وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والقدح والذم. بحسب صاغية، «لم يرتكب الأمين أياً من هذه الجرائم، إذ لا وجود لنص يتحدّث عن تحقير الأرزة أو الدولة أو (...)». لكن، في لحظةٍ ما، يمكن دسّ كل هذه الجرائم في الستاتوس الشهير، وخصوصاً إذا ما اعتمدنا على «مطاطيّة» نصوصنا القانونية.
يتحدث طوني مخايل، المستشار القانوني في مؤسسة «مهارات» عن مفاهيم مطّاطة في قانون العقوبات «يمكن أن يلبسوه ياها بالستاتو». في السيناريو الأول، يمكن الحديث عن الفعل الكتابي الذي «ينتج عنه أو يُقصد منه إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعنصرية أيضاً»، وهذا جزء مما تنص عليه المادة 317 من قانون العقوبات. وهنا، في الفعل الكتابي الذي «ارتكبه» الأمين، يخاف مخايل من أن يجري التعاطي مثلاً معه على أساس إثارة نعرات «بحكيو عن السوري»، وخصوصاً أنه في نص هذه المادة «ليس واضحاً ما المقصود بفعل ما ينتج عنه أو يُقصد منه». ويمكن أيضاً أن «يركب» سيناريو الانتقاص من هيبة الدولة بحديثه عن «جمهوريتكم وووو»، أو في أحسن الأحوال «تحقير الشعار الوطني وتحقير العلم»، كما تنص المادة 384 عقوبات، بحيث يمكن اعتبار «أرزكم» شعاراً وطنياً.
«كل شيء وارد في ظلّ تلك النصوص القانونية»، يقول مخايل. ثمة مواد كثيرة في قانون العقوبات قد يلجأ إليها القضاء للادعاء على الأمين. وهذا «أمر كارثي»، يتابع. يتحدث الأخير عن «تصرّف بوليسي» لا شأن له إلا إيصال رسالة لكل من «تسوّل» له نفسه ممارسة حريته. رسالة للقول «شوفو شو صار بفلان الفلاني». هذا التصرّف البوليسي الذي صار بموجبه الأمين معتقلاً بهدف «الترباية»، على ما يقول مخايل. يحار الأخير في إيجاد نص قانوني لتفسير هذا التوقيف، فلا يجد «لا قدح ولا ذم لأن هذا الأمر يفترض إيراد اسم شخص محدد»، وهو ما لا وجود له في ستاتوس الأمين، إلا إذا «كان المقصود اعتبار كلمة "رؤساؤكم" يعني رئيس الجمهورية». يحاول مخايل تفسير الأمر ببساطة: رأي. نقد عام. ليس اتهاماً بالشخصي، ولا مسّاً بهيبة دولة، ولا تحقير لرمز وطني. لا شيء من ذلك كله. الحكاية بهذه البساطة: «هو رأي. حكي بالعموم ولا لزوم لهذا العمل التحقيقي». وببساطة أكثر، ما يحصل هو «اعتداء على حرية شخص وكرامته بدون وجه حق». وهو ما يخالف روح القانون والحماية تحت رعاية الدستور اللبناني الذي يكفل في الفقرة «ب» من مقدمته حرية الدستور. وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني ابتعاد القوانين التي تسيّر حياتنا عن روحية الدستور «وعدم مطابقتها لحقنا في الحرية»، يختم مخايل.
72 ساعة من التوقيف الاحتياطي. هذه هي الرسالة، فحرية التعبير التي يكفلها الدستور قد يضربها «ستاتوس». وهنا، العبرة لمن يعتبر.
يُذكر أن اعتصاماً تضامنياً مع الأمين أقيم مساء أمس أمام قصر العدل في بيروت، ويشهد اليوم اعتصام آخر أمام مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية والمعلوماتية.