مذ تصاعدت وتيرة التنازع على حقائب اولى حكومات العهد الجديد، تحدّث رئيس مجلس النواب نبيه بري عن خيارات شتى متاحة امامه لاخراج تأليف الحكومة من المأزق. اولها استعداده لاقناع النائب سليمان فرنجية بالقبول بحقيبة التربية بعدما فاتحه الرئيس المكلف سعد الحريري بأنه عرضها فعلاً عليه فرفضها.
ثانيها احتمال تخليه هو ــــ ساعة يشاء ــــ عن حقيبة الاشغال العامة والنقل في حصته لفرنجية. في الخيارين هذين قال بري، مرة تلو اخرى، ان لا شأن لطرف ثالث في ما يقرره بينه ونائب زغرتا، الا انه اصر على حصول حليفه على حقيبة اساسية يمكن ان تكون احدى ما كان يطالب بها: الاشغال او الاتصالات او الطاقة.
قال بري حينذاك: لأن فرنجية ماروني ــــ ولا علم لي انه بدّل او لم يعد كذلك ــــ فإن حصته يحوزها من الحصة المسيحية.
على مرّ هذا الوقت، كانت تصل اليه اصداء وعد قطعه الحريري للقوات اللبنانية باعطائها حقيبة الاشغال العامة والنقل، رغم معرفته المسبقة بأنها في حصة رئيس المجلس الذي قال تكراراً انه لن يتخلى عنها. لكنه ـــــ يوم يقرر ويفعل ــــ تكون لمَن يريد هو اعطاءها له. ليس قطعاً القوات اللبنانية اياً تكن وعود الرئيس المكلف وطموحات الفريق المعني.

حزب الله الاقل احراجاً وارتباكاً واهتماماً بالحصة وقد يصح فيه انه الحزب الحاكم!


المهم في ما كان يقوله بري، تذكيره على الدوام بما سبق ان فعل. للمرة الاولى منذ اتفاق الطائف، يوافق على خلل في تقاسم السنّة والشيعة مقاعد متساوية في مجلس الوزراء. تنازل عن واحد من المقاعد الشيعية الستة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للسنّة، فأبصرت حكومة الغالبية النيابية الجديدة في ذلك الحين النور، 13 حزيران 2011، بسبعة وزراء سنّة في مقابل خمسة وزراء شيعة دفاعاً عن توزير فيصل كرامي.
رمى ذلك التنازل الى تذليل عقبة، لا الى احداث سابقة. فإذا هو يستعيدها على نحو مشابه مع فرنجية هذه المرة.
ما افصح عنه نائب زغرتا البارحة بعد مقابلته رئيس المجلس، عائداً من بكركي، يعكس اكثر من دلالة تفترض ان تفضي حصيلتها الى صدور مراسيم تأليف الحكومة، ما دام سجال الشهر المنصرم دار على عقبة فرنجية اولاً واخيراً:
أولى الدلالات تمسك الثنائي المسيحي، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بابراز مكانة «بخسة» لفرنجية في موازين القوى داخل مجلس الوزراء. لم يسعه الحؤول دون انضمامه الى الحكومة، بعدما ربط الثنائي الشيعي مشاركته فيها بمشاركة حليفه فرنجية. فحوى المكانة «البخسة» ان الثنائي المسيحي ــــ الذي يتصرّف على انه هو الشريك الفعلي للحريري في تأليف حكومته ـــــ اعطاء نائب زغرتا مقعداً يُفسَّر على انه غير ذي فاعلية اقترن بحقيبة الثقافة دون سواها، على ان يتدبر هو بنفسه ــــ اذا اراد المشاركة في الحكومة ــــ الحقيبة التي ترضيه من حصة حلفائه الذين يدافعون عنه.
ثانيتها ان الطريقة التي اخرجت بها عقبة فرنجية توحي برسم خطوط تماس مبكرة داخل حكومة الحريري، قبل ان يجتمع مجلس الوزراء الجديد حتى. طرفاها رئيس المجلس وحليفه الزغرتاوي قبالة الثنائي المسيحي. لم يصنع تنازل 2011 خطوط تماس في حكومة ميقاتي التي مثلت ائتلافاً بين قوى 8 آذار والوسطيين، وبدا حينذاك يذلل احدى مشكلات تعثر تأليفها 139 يوماً انقضت فور صدور مراسيمها. على ان ما جبهته الحكومة تلك اقترن بأسباب مختلفة تماماً اتصلت باشتباك وزراء تكتل التغيير والاصلاح برئيسها افضى الى استقالتها.
واقع ما ستقبل عليه حكومة الحريري مغاير. لا ينتظرها في الداخل خلاف سنّي ــــ شيعي على غرار الحكومة الاولى للحريري فتسببت باطاحتها عام 2011. لم يكن الامر على وجه مطابق في حكومة ميقاتي التي خلفتها وتمثّل فيها سنّة آخرون بعدما قاطعها تيار المستقبل، من دون ان يحول ذلك دون نعرات ذات بعد مذهبي حملت رئيسها على الاستقالة. في حكومة 2016، اذا ابصرت النور قبل مطلع السنة الجديدة، للمرة الاولى تماس مسيحي ــــ مسيحي لا مكان فيه بالضرورة للاعداد ولا لاحتساب نصاب اكثرية واقلية. وجود وزير واحد لفرنجية، بعد كل الملابسات التي انتهت اليها حقيبته، كاف لإشغال ــــ ما لم يكن إشعال ــــ مجلس الوزراء بحرب حلفاء هذا الفريق مع حلفاء ذاك.
ثالثتها نشوء خريطة تحالفات غير مسبوقة داخل الفريق الحكومي الواحد. ليست حكومة 14 آذار كعام 2005، ولا حكومة 8 آذار كعام 2011. ليست حكومة وحدة وطنية يختلط التجمعان فيها كعامي 2008 و2009، ولا حكومة ربط نزاع بينهما كعام 2013:
ــــ رئيس الجمهورية فيها حليف رئيس الحكومة وحزب الله والثنائي المسيحي، مع القليل القليل من الود مع رئيس المجلس والكثير الكثير من الخصومة مع زعيم زغرتا.
ــــ رئيس الحكومة حليف رئيس الجمهورية ورئيس المجلس وفرنجية والقوات اللبنانية وحليف محدث للتيار الوطني الحر، لكنه على طرف نقيض حاد من حزب الله.
ــــ التيار الوطني الحر رِجل عند السنّي واخرى عند الشيعي، وفي الوقت نفسه حليف الجميع تقريباً ما خلا حليفه الاول في الاصل الزغرتاوي.
ــــ القوات اللبنانية عالقة بين الحليف وحليف الحليف: ود ملتبس مع بري وخصومة معلنة مع حزب الله.
ــــ يتصرّف حزب الله كما لو انه يتفرّج من الشرفة. اقل هؤلاء جميعاً احراجاً وارتباكاً، واهتماماً بالحصة. قد يصح فيه القول ربما انه الحزب الحاكم، صدف ان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ليسا عضوين فيه.
كل ذلك في سبيل حكومة قيل انها من اجل اجراء الانتخابات النيابية العامة، وعمرها ستة اشهر بالكاد.
قيل ذلك ايضاً عن حكومة الرئيس تمام سلام حين تأليفها في شباط 2013، على ان عمرها بالكاد ثلاثة اشهر لاجراء الانتخابات النيابية المقررة ربيع ذلك العام. فاذا هي تعمّر.