٦ أشهر مرّت على الانتخابات البلدية في طرابلس، ولم يطرأ أي تغيير على المدينة سوى منظر جبال الأرز المطلّة والتي بدأ يكسوها الأبيض. الانتخابات في عاصمة الشمال خيضت من منطلق سياسي. وبالسياسة أيضاً يُكبّل اليوم المجلس البلدي.تُكسر هيبة البلدية حين تمنعها اتصالات شخصيات سياسية من إزالة التعديات على الأملاك العامة. وبهدف «صون» الأصوات الانتخابية في الأحياء الفقيرة، لا يجرؤ أحد على إزالة البسطات المخالفة والعربات المتجولة وإلا تُطلق النار على قدمي شرطيّ يُقال إنه تلّقى مبلغاً من المال للتنازل عن الدعوى التي رفعها. على العكس من بلديات عدّة، تظهر أمام الرأي العام وكأنها تسير وفق برنامج عمل، لا تقوم بلدية طرابلس سوى بـ»تخليص» معاملات العهدين السابقين، في حين أنّ نشاطات المدينة تتولاها جمعيات زوجات سياسييها.

التجانس يغيب بين الأعضاء، وإن كان المسؤولون يضعون ذلك في إطار تعدد وجهات النظر. بعض الأعضاء بدأوا يتهامسون في احتمال الاستقالة، لأنّ «المكتوب مبيّن من عنوانه». والبعض الآخر من لائحة التوافق السياسي («لِطرابلس») يشكو من التفرقة بين الأعضاء، التي ظهرت لدى عقد ريفي، في تشرين الثاني الماضي، لقاء عمل في منزله لمناقشة الوضع البلدي بحضور الأعضاء الـ١٦ الذين فازوا من اللائحة التي دعمها وبحضور رئيس هيئة الطوارئ (شريكة النصر في الانتخابات) جمال بدوي، بغياب بقية الأعضاء، إضافة إلى استقبال ريفي لهؤلاء الـ١٦، لتقديم التهانئ بعيد الأضحى، في غياب زملائهم الثمانية الذين فازوا من اللائحة المنافِسة. وقد وصل الأمر بالمقربين من الرئيس نجيب ميقاتي حدّ القول إن معظم أعضاء «لِطرابلس» يريدون الاستقالة، ولكنه هو الذي يمنع ذلك، لأن الظرف ليس لانتخابات بلدية جديدة. فهل ما زال ريفي هو المسيطر سياسياً على المجلس البلدي؟ أم تمكن ميقاتي من إعادة احتضان بقية الأعضاء؟ وهل كلّ ما يُحكى عن فشل للمجلس البلدي في بداية عهده، يصيب ريفي تماماً كما استفاد من نجاح اللائحة؟
عضو مجلس بلدي ينتمي إلى «لِطرابلس»، فضّل عدم الكشف عن اسمه، يؤكد أنّ «أكثر من يمون على البلدية هو ريفي. يُنسّق ويتواصل مع الرئيس أحمد قمر الدين وأغلب الأعضاء. وهناك حضور دائم لمسؤولين من مكتبه في البلدية». يصل التدخل إلى حدّ «طلب إلغاء عقوبات عن موظفين في البلدية خالفوا القانون، والاتصال من أجل تسيير حاجاتهم، كزميلنا الذي سُهلّت أمور مشروعه في منطقة القبة».

لا يجرؤ أحد على إزالة البسطات المخالفة وإلا فتُطلق النار على قدمي شرطي البلدية

مثال آخر هو برامج التدريب المدفوعة لطلاب طرابلس، والتي تمنع استقبال الشخص نفسه أكثر من مرة، «ولكن أكثر من زميل عاد وأشرك بناته للمرة الثانية. معروف من توسّط لهم». يتكلم عضو البلدية غافلاً عن أنّ الخطوط الساخنة مفتوحة بين قمر الدين ومعظم قيادات المدينة، ومنهم ميقاتي. يرد: «لكنّ الأخير لا يتواصل معنا ولا يتدخل في البلدية». وفي الاطار نفسه، تسأل مصادر ميقاتي: «لماذا نتدخل في البلدية ونحاول استمالة الأعضاء، فنتحمل نحن مسؤولية فشلها، في حين أنّ ريفي يستفيد من نجاحها في الانتخابات؟».
اتهام ريفي بوضع يده على البلدية تُناقضه حادثتان داخل المجلس البلدي الذي رفض المشاركة في تمويل مهرجانات طرابلس الدولية التي نظّمتها سليمة أديب، زوجة ريفي؛ ورفض المجلس تعيين بسام الأيوبي، الذي طرحه اللواء المتقاعد، قائداً لشرطة البلدية. في النقطة الأولى «انقسم أعضاء لائحة «قرار طرابلس» بين من يرى أنّ الموسيقى حرام ومن يريد أن يُقدم هذه الأموال لفقراء المدينة، وبين من يُعارض قدوم فنانين يؤيدون سياسياً النظام السوري. هذا البند فجّر الجلسة». أما في النقطة الثانية، فـ»الأيوبي ترفضه المدينة قبل أن يرفضه الأعضاء، وعُيّن مكانه ربيع الحافظ. لو كان الأيوبي مقبولاً في الشارع ما كان ريفي وجد صعوبة في تسويقه»، على ذمة عضو البلدية.
غياب التجانس بين الأعضاء هو من الأمور التي تؤخر انطلاقة البلدية. الخلافات كثيرة وعبثاً يحاول قمر الدين منع نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. رئيس «الطوارئ»، جمال البدوي، يُخصص مساحة كبيرة من صفحته على «فايسبوك» لتوجيه الانتقادات للبلدية، وآخرها كان الاعتراض على منح قطعة أرض «مخصصة كحديقة» لإقامة سنترال لأوجيرو في أبو سمرا «ورصد مبلغ مليوني دولار لبنائه». للمفارقة أنّ الأعضاء المحسوبين على هيئة الطوارئ كخالد الولي وأحمد بدوي وجميل جبلاوي باتوا أقرب إلى خيار ريفي، ولم «يصمد» سوى باسل الحاج وزاهر سلطان. أما على جبهة «لِطرابلس»، فقد نشر بسام بكداش على الموقع الأزرق أنه اكتشف من «الفايسبوك» أن البلدية ستبدأ بالتزفيت وقد تعاقدت مع مكتب استشاري ومختبر متخصص. الخبر هو في أن بكداش، عضو لجنة الهندسة، يقول «لا أعلم من هي الشركة وما هو هذا المختبر وما هي الطرقات التي سيتم تزفيتها»، وختم بالقول «الله يسامحك (ريفي) وأعان الله طرابلس».
العهد «ما عم بقلّع منيح»، يقول عضو البلدية. من الأسباب: «شخصية الرئيس غير النشيط بعد أن أمضى ١٨ عاماً في العمل البلدي، وجود عدد من المراكز الشاغرة وموظفين اعتادوا الكسل، النقص في التجهيزات، عدم التشدد في ضبط المخالفات، والأهم أننا لم نضع حتى الساعة برنامجاً للعمل».
المجلس البلدي يغطّ في سبات عميق. لا يفعل لا سلباً ولا إيجاباً، متذرعاً بالروتين الإداري. صحيح أن بعض المشاريع يأخذ وقتاً قبل الشروع في التنفيذ، ولكن قمع المخالفات ليس بحاجة سوى إلى قرار وإقفال الخط بوجه السياسيين الذين طلبوا، استناداً إلى أعضاء البلدية، تأجيل هذا الملف إلى ما بعد الانتخابات النيابية. أمام كل ما تقدم، يجلس قمر الدين في مكتبه «مرتاحاً. المطلع على البلدية يُدرك أن أي التزام بحاجة إلى ٦ أشهر على الأقل حتى يُنفذ». ماذا عن إزالة المخالفات؟ «هذا موضوع متشعب»، يقول قمر الدين، مضيفاً أنه حالياً «نُركّز على إزالتها من الشوارع الرئيسية حتى لا نقترب من المناطق الفقيرة التي نُقدّر وضعها». وهو ينفي أي تدخل من ريفي لمنع إزالة المخالفات. قمر الدين يُنكر غياب التنسيق بين الأعضاء: «الكل متعاون لأننا نعمل من أجل المدينة، والدليل أننا أخذنا قراراً واحداً بالتصويت، والباقي بلا تصويت. ممكن أن تحصل مداخلات سياسية في حال التوظيف، ولكن هذا ليس تدخلاً سياسياً». عضو في المجلس البلدي من لائحة «لِطرابلس» يعلّق بالقول إنّ قراراً واحداً اتُّخذ بالتصويت «لأنه كان أول موضوع جدّي يُطرح على المجلس (قرار منح الحديقة لإقامة سنترال لأوجيرو). القرارات الباقية هي مثلاً عقد مصالحة مع محل حلويات ورثناه عن البلدية السابقة، وقرار دفع ١٢٨ مليون ليرة تصليح سيارات من أيام الرئيس السابق نادر غزال».
هل يُحسب فشل المجلس البلدي على ريفي تماماً كما «قطف» نجاح دعمه للائحة؟ «فشل البلدية سيُسجّل على الوزير ريفي ويجب أن تُحاسبه الناس في النيابة»، يقول عضو البلدية. أما قمر الدين فيؤكد أنّ «نجاح البلدية هو نجاح لخيار ريفي، ولكنه ليس فشلاً للآخرين. الفشل يؤثر على ريفي، ولكن نحن الذين نتحمّله».





استقالة أعضاء البلدية؟

يُسيطر الإحباط على معظم أعضاء البلدية بسبب شعورهم بـ»أننا لن نتمكن من تحقيق أي شيء». أسماء عدّة بدأت تُفكر في الاستقالة، مثل: سميح حلواني، خالد الولي، لؤي مقدم، رياض يمق، باسم بخاش، أحمد بدوي، عزام عويضة. أما خالد تدمري فيُمارس اعتراضه من خلال عدم حضور اجتماعات المجلس، «أحياناً لا يكون مسافراً ويتغيب». فهو مثلاً لم يُشارك في اجتماعات وضع موازنة العام الجديد، ولم يطلب أيّ مبلغ مالي للجنة الآثار التي يرأسها.
موضوع الاستقالة لم يُبحث بشكل جدي بين هؤلاء، «الأرجح أن نعطي فرصة إلى ما بعد الانتخابات النيابية». على الرغم من أن «منسوب الأمل انخفض كثيراً، ولكن نتمنى أن تُثمر الضغوط التي تُمارس على أحمد قمر الدين من أجل تبديل أسلوب العمل».