المُصطلحات ليست "بريئة". غالباً ما تتلطّى خلفها سياسات وقناعات راسخة مُستقاة من الايديولوجيات السائدة. المُصطلح يعطي حقوقاً ويُرتّب واجبات. والمُصطلح ينزع حقوقاً ويُرسي انتهاكات.
يُقال إن تجنّب السلطة اللبنانية تبنّي مُصطلح "لاجئ" واستبدالها بـ "نازح"، هدفه عدم الاعتراف بحقوق اللاجئين السوريين تبعاً للاتفاقية الخاصّة بوضع اللاجئين التي أُقرّت عام 1951 والتي وقّع عليها لبنان. طوال سنوات مضت، كان الخطاب المتعلّق بحقوق عاملات المنازل ينطلق من أن العديد من الأسر اللبنانية تُعامل العاملة كـ "واحدة من أفراد الأسرة". هذا المُصطلح يهدف إلى "تبرئة" الأسرة، ربّ العمل، من اتهام حرمان العاملة من حقوقها، فعوضاً من أن يعترف بها كـ "عاملة" تتقاضى أجراً وتحظى بدوام مُحدّد وتتمتع بعطلة أسبوعية، يُصوّرها "فرداً" يأكل ويشرب وينام و"ينعم" بما ينعم به أفراد الأسرة في البيت، حيث لا وجود لعلاقة عمل.
تعمل حالياً "منظمة العمل الدولية" على إعداد قاموس المُصطلحات العربية حول الهجرة المُخصّص للإعلام، وذلك ضمن السعي لإرساء خطاب إعلامي يُكرّس حقوق العمال المهاجرين ويتصدّى لبعض المُصطلحات المُستخدمة في الإعلام العربي التي تُغذّي الثقافة العنصرية السائدة ضدّهم، ولا تواجه واقع الانتهاكات التي يتعرّضون لها بفعل الأنظمة والقوانين.
منذ أيام، عقدت المُنظّمة في الأردن، جلسة نقاش حول تغطية الإعلام العربي لقضايا العمّال المهاجرين. عرضت مُسوّدة قاموس المُصطلحات على عدد من الصحافيين العرب لمعرفة مدى استعدادهم لتبنيها في تقاريرهم. تسعى المُنظّمة للعمل مع الإعلام إيماناً منها بما تُسمّيه "نظرية التغيير" التي ترتكز على إعداد رأي عام مُطّلع على الحقائق ويتمتّع بالوعي الكافي يدفع نحو تراجع حجم المواقف التمييزية، وبالتالي تراجع ممارسات أصحاب العمل التمييزية وتحقيق دعم عام لتحسين الحماية التشريعية وصولاً إلى قوانين أفضل وتنفيذ أفضل لحماية حقوق العمّال المهاجرين.
عدد من الصحافيين العرب أبدوا هاجس "المُصطلحات الناشفة" التي قد تُنفر القارئ وتجعله يشعر أن التقارير موجهة إلى "نُخب"، ستكون وحدها قادرة على التمييز بين اللاجئ البيئي والمهاجر غير النظامي مثلاً. إجابة المنظمة هنا أتت على لسان المُستشارة التي أشرفت على القاموس، الصحافية والباحثة كارول كرباج التي قالت إن الهدف هو "أن يتعوّد الجمهور على مُصطلحات سيستخدمها بشكل متكرر فيما بعد ليصل إلى اعترافه بالحقوق التي تُرتبها هذه المُصطلحات"، وتُعطي مثالاً بأنه قبل سنوات، كان مُصطلح "العاملة المنزلية" غريباً في التقارير التي كانت تعتمد مُصطلح "خادمة"، لتُشير إلى إمكانية "التغيير" وجعل هذه المُصطلحات قريبة من الناس.

كان مُصطلح
«العاملة المنزلية» غريباً إذ كان المعتمد مُصطلح «خادمة»


يتضمّن القاموس أكثر من 80 مُصطلحاً تُعرّف فيه المنظمة المُفردات المُستخدمة في التقارير التي تتناول قضية العمال المُهاجرين، كتعريف معنى الشتات ورهاب الأجانب والعودة الطوعية إلى الوطن وتجارة التأشيرات وطالب اللجوء والمهاجر الاقتصادي واللاجئ البيئي والمهاجرون غير النظاميين (..).
هدف المُنظّمة من "دسّ" هذه المُصطلحات، هو دفع الصحافيين إلى تغيير منحى تناولهم للقضية، فعوضاً من استخدام الإعلام لمصطلح "الفرار" الذي يُجرّم فاعله، توصي المُنظمة مثلاً بوضعه بين علامات الاقتباس وتحليل الوضع الذي ترك العامل فيه صاحب العمل. كذلك تعمد المُنظمة إلى حثّ الصحافيين على استخدام مُصطلح مهاجر غير نظامي عوضاً من "مهاجر غير شرعي"، على اعتبار أن هذا المُصطلح يُسهم في التنميط السلبي ويُجرّم المهاجرين، في حين أن البقاء غير النظامي يندرج ضمن المُخالفات الإدارية وليس ضمن الجرائم الجنائية، مع الإشارة إلى أن الوضع غير النظامي للعامل المُهاجر قد يكون سببه مثلاً فشل الوكيل في تجديد التصاريح أو عدم تسديده تذكرة ذهاب العامل مثلاً إلى موطنه.
لا تزال المسوّدة قيد الدرس والبحث، والمُنظمة تنتظر حالياً تعليق عدد من الصحافيين عليها. لم يُقدّم القيّمون على القاموس، إجابة واضحة لشكل هذا القاموس وآلية نشره. تقول المنظّمة إنها بانتظار اقتراحات من قبل الصحافيين، ولا يبدو أنها حسمت أمرها في كيفية استثمار هذا القاموس وتحقيق هدفها الرامي إلى إحداث كوّة في الخطاب الإعلامي العربي المتخلّف عن مسار حقوق العاملين.
الذي بدا واضحاً خلال جلسة النقاش هو ضرورة ترجمة المنظمة لأهداف هذا القاموس عبر نوع من "الإرشادات" التي تشرح للصحافيين لماذا عليهم تبنّي هذه المُصطلحات، ولماذا عليهم أن يكونوا قادرين على استخدام هذه المصطلحات وتمييزها. فالمُسوّدة التي وُزّعت، لا تفي بهذا الغرض وتكتفي بشرح هذه المُصطلحات من دون أن توضع في سياق متكامل وواضح.
طرح القيّمون في المنظمة خلال الجلسة على الصحافيين مجموعة من التساؤلات حول التحديّات والعوائق التي تحول دون إمكانية إعدادهم تقارير مهنية تُعطي العامل المهاجر حقه وترسي مفهوماً حقوقياً مغايراً للواقع. بدت التحديات مُتشابهة ومُشتركة، تتعلّق بصعوبة الوصول إلى رواية العامل وغياب الصحافيين المهنيين الذين يأخذون على عاتقهم هدف نُصرة العامل المهاجر. من هنا، أبدت المُنظمة رغبتها في إطلاق مبادرة من أجل تدريب صحافيين عرب على كيفية تناول قضية العمال المهاجرين من منطلق مهني وحقوقي في ختام الجلسة.