شهر حزيران الماضي كان مُزدحماً بالنسبة إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. أحد أقدم الأحزاب في لبنان (احتفل قبل شهر تقريباً بذكرى تأسيسه الـ84) والذي يتخذ من بيروت مقراً له، كان يتهيّأ لعقد مؤتمره السنوي العام وانتخاب قيادةٍ جديدة. في غمرة التحضيرات الحزبية، طرأ موضوع الوحدة بين جماعة «المركز» والحزب القومي برئاسة وزير المصالحة في الحكومة السورية علي حيدر. والحزب الأخير معروف بجناح «العمّ» أو جورج عبد المسيح (أول رئيس للقومي بعد المؤسّس أنطون سعاده). مفاوضات جديّة كانت تجري بين الأخير ورئيس الحزب القومي في حينه النائب أسعد حردان، وصلت إلى حدّ الاتفاق على إصدار بيانين، من بيروت ودمشق، يُعلَن فيهما استعداد التنظيمين لهذه الخطوة.
تسارعت خطوات المتفاوضين، وحُدّد يوم 9 حزيران موعداً لإعلان الوحدة بعد قرابة 60 عاماً من الانقسام. ستّة أشهر مرّت ولم يتحقق شيء. لا البيانان صدرا ولا الجهود استُكملت. حتّى إنّ «جماعة العمّ» نفوا بعد ذلك أن يكون هذا الملف قد بُحث في حزيران أصلاً! يبتسم أحد أعضاء المجلس الأعلى في «المركز»، والذي لا يدور في فلك القيادة الحزبية، وهو يقول إنّ «الحديث عن الوحدة تزامن مع عقد المؤتمر في بيروت وتأليف الحكومة الجديدة في سوريا. الطرفان يعرفان كم كان القوميون سيتفاعلون مع الوحدة»، علماً بأنّ حردان في حينه كان مستاءً من نشر الخبر لأنه اعتبر أنّ الخطوة لا تزال في بداياتها، وبحاجة إلى صونها بعيداً عن الإعلام. ومصادر مقرّبة منه تؤكد أنّ حيدر كان إيجابياً تجاه الوحدة، ولكن حين عرض الأمر على أعضاء حزبه رفضوه. هل كان الحديث عن الوحدة قبل أشهر متسرّعاً؟ أم أنّ المفاوضات تعثرّت، بسبب ما يُحكى عن رفض المجلس الأعلى في الشام لهذه الخطوة؟ لا يقتصر الأمر على هذين التنظيمين، فهناك حزب قومي ثالث مركزه دمشق يعمل تحت تسمية الحزب السوري القومي الاجتماعي في الجمهورية العربية السورية. أسّسه عام 2012 رئيس المكتب السياسي الفرعي في سوريا سابقاً عصام المحايري، مُتّخذاً من قانون الأحزاب الجديد في سوريا، الذي اشترط أن يكون مركز الأحزاب طالبة الترخيص في دمشق، حجّة حتى يُقدم إلى وزارة الداخلية السورية مشروع الميثاق والنظام الداخلي للحزب باسمه ومن دون الرجوع إلى «المركز». والمفارقة أنّ أياً من هؤلاء «المنشقين» لم تطرده قيادة الحزب في بيروت. يرأس هذا التنظيم حالياً جوزف سويد، وقد عقد مؤتمره الأول في حزيران 2013. ويُقال إنّ «المرجعية» السياسية والماليّة لما يُعرف بـ»الأمانة العامة» هي ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، رامي مخلوف، وإنّه أقسم اليمين القومية في الـ2013. ولكن مؤخراً تردّدت معلومات أنّ مخلوف «سحب الغطاء عن فرع المحايري ولم يعد يتدخل كما السابق». فهل من مبادرة يجري الإعداد لها، لضمّ التنظيم الثالث من جديد إلى «المركز»؟ والسؤال الذي يُطرح هو عن الدور الذي تلعبه القيادة السورية في هذا المجال، لا سيّما أن التنظيمات الثلاثة تدور في فلكها؟

تردّدت معلومات
أنّ رامي مخلوف
سحب الغطاء عن
فرع المحايري ولم
يعد يتدخل فيه كما في السابق


يبدأ أحد المسؤولين السوريين حديثه بالتأكيد أنّ «الحزب القومي في الشام هو الحزب الذي يُشكل امتداداً لأسعد (حردان) و(الرئيس الحالي) علي قانصو». وهو يستند في حديثه إلى أن «لديه 6 نواب في البرلمان وعضواً قيادياً في الجبهة الوطنية التقدمية. وهو الذي يُقاتل إلى جانب الجيش السوري، ولديه امتداد خارجي». حتى على الأرض «التمثيل هو لمن يُقاتل ويُقدم الشهداء». وفي ما خصّ الاتهامات الموجهة للدولة السورية وحزب البعث بأنهما يعملان على تعميق الشرخ لأن القومي تمكن من استقطاب عدد كبير من السوريين الذين لا يدورون في فلك البعث، يردّ المسؤول السوري نفسه بأنّ «قوة البعث هي في أن يتكامل مع القومي. الموضوع ليس تنازع حصص، لأن سوريا هي قضية. القومي يعمل للبلاد بإخلاص، ولذلك الرئيس الأسد حريص على توحيده».
لدى الحديث عن الوحدة، لا تذكر هذه الشخصية سوى تنظيمي قانصو وحيدر، «الفكرة بأن يتوحدا لا تزال قائمة». القيادة الشامية «تُشجّع هذا التوحيد لأن المبادئ واحدة». ورداً على سؤال، يقول المسؤول السوري إنّ «الرئيس بشار الأسد لا يستطيع أن يفرض ذلك. هو الدولة والإطار وجُلّ ما يقوم به هو التمني بالتوحد». استثناء «الأمانة العامة» من الحديث عن الوحدة مردّه إلى أنه «ربما يرى القوميون أنه حين تتم الوحدة بين المركز وعلي حيدر، ينضم فرع المحايري تلقائياً. نحن ضدّ أن تُصبح الأحزاب مقاعد وحصصاً. هذا حزب يحمل قضية».
في بيروت، «ملف الوحدة حالياً متوقّف، ولكن سنسعى إلى استكماله»، بحسب مصادر «المركز». رغم أنه بعد الاتصالات التي جرت بين حردان وحيدر، «جرى اتصال بين الأخير وقانصو بعد انتخابه رئيساً، وقد أبدى الطرفان الجاهزية لإنجاز الوحدة في هذا الظرف الذي نواجه فيه الخطر الإرهابي». أبلغ حيدر قانصو أنه سيعاود الاتصال به في غضون أسبوع، «الأمر الذي لم يحصل». على ذمة «المركز»، «لم نستسلم لهذا الواقع. لا نزال نُبلّغهم إرادتنا لتحقيق الوحدة من خلال أصدقاء مشتركين. المطلوب منا قمنا به، المهم أن يتجاوب الطرف الآخر». ما الذي يمنع الوحدة؟ تجيب المصادر بأنه «لا شيء إذا كنا مدركين لحجم الأخطار التي تُحدق ببلادنا». هذا في ما خصّ «جناح العم». أما بالنسبة إلى «فرع المحايري»، فبحسب مصادر من داخل الحزب على تباين مع القيادة، فإنّ «الأسد كلّف سابقاً وزير الداخلية محمد الشعار رعاية حوار بين الطرفين لم يترتّب عنه أيّ شيء». أما مصادر «المركز» فتؤكد أنه جرى بين الطرفين أكثر من جلسة حوار، حتى إنّ القيادة السورية «حريصة على أن يكون حليفها حزباً قوياً. وهي حاولت جاهدة مع التنظيمين الآخرين. إذا كان الآخرون لا يريدون أن يتجاوبوا فهي مشكلتهم». تبدو المصادر متفائلة: «في النهاية، سيقولون إن الحزب هنا».
الأمر الوحيد الذي يتفق عليه «جماعة العمّ» مع قيادة بيروت أنه «حالياً لا توجد اتصالات جديدة، علماً بأننا أصحاب المبادرة منذ عام 1991». تعود مصادر علي حيدر إلى حزيران الماضي، لتوضح أنّه وقتها «جرى اتصال بين حردان وحيدر فانتشرت خبرية الوحدة، رغم أنه لم يكن يطرأ أي جديد». شكّل الاثنان «لجنة لم تجتمع منذ سنة، لأن ممثلي الروشة توقفوا عن الحضور». وما يمنع الوحدة راهناً هو «رفض الروشة أي اشارة إلى بيان الـ1991 الذي يعيد التأكيد على أهمية الالتزام بالعقيدة، وأن الوحدة تبدأ من الصف عبر تشكيل لجان من مندوبي الفروع وليس من القيادة. هذه النقطة حين نوقشت عام 1991، دفعت ممثلي الروشة إلى المغادرة». تؤمن مصادر «العمّ» بأن أسوأ الأمور هو القطيعة بين القوميين، ولكن الوحدة «لا تحصل إلا بعد الاتفاق على أن التطبيق يكون تابعاً للمبدأ وليس العكس».
حاولت «الأخبار» جاهدة التواصل مع تنظيم عصام المحايري، وقد طلب أحد أعضاء المكتب السياسي إرسال الأسئلة بالبريد الإلكتروني، وبعد مرور 8 أيام أتى الجواب عبر «الواتساب» بأنه بعد «دراسة المناخ الحزبي بمجمله، نجد أنفسنا ملزمين أخلاقياً بعدم التعبير عن شيء».