لا يترك فرع المعلومات مجالاً لحُسن الظن به. هذا الجهاز، رغم أنّه قد يكون الأكثر احترافاً مقارنة ببقية الأجهزة الأمنية، لا يفوّت مناسبة للتشكيك في أنّ ما يقوم به محكوم بأجندة سياسية لمصلحة الفريق الداعم له. لم يرفّ للقيّمين على هذا الفرع جفن يوم ترك الانتحاري يوسف ديب حراً، رغم إدلائه باعترافات مفصّلة في التحقيق معه لدى الأمن العام.
يومها، وفور إطلاقه، فرّ ديب إلى الجرود ليلتحق بـ«جبهة النصرة». قد توضع هذه الخطيئة في خانة «التمريك» على الأمن العام في ظل صراع الأجهزة، لكن اللافت أنها جرت برعاية تامة من النيابة العامة العسكرية.
جديد إبداعات هذا الجهاز، إطلاق سراح ناقل أحد انتحاريي برج البراجنة من البقاع إلى بيروت. فبحسب المعلومات، ورد اسم عبد الحميد عبدالله المحمد في ملف التفجير الانتحاري المزدوج في برج البراجنة في ١٢ تشرين الثاني 2015. وقد تمكّن جهاز أمن المقاومة من استدراجه وتوقيفه، بمساعدة من السوري ف. م.، وقرّر تسليمه إلى فرع المعلومات كونه يُشرف على التحقيق في التفجيرين. المحمد كان قد تلقّى اتصالاً من أحد أفراد الخلية الإرهابية التي خطّطت للعملية الانتحارية، وطُلِب منه تهريب شاب سوري يُدعى عماد المستّت، زُعم أنه طبيب أسنان. غير أنّ المحمد، بحسب إفادته، رفض القيام بالمهمة. فتلقّى بعد أيام اتصالاً من شخصٍ يُبلغه أنّ المستّت دخل الأراضي اللبنانية، وأنّ المطلوب منه نقله من المصنع إلى بيروت. وافق المحمد، كما وافق على استضافة المستت لليلة واحدة في منزله مقابل ألف دولار. ولم يمرّ وقت طويل قبل أن يقع التفجير الانتحاري المزدوج، و«يكتشف» المحمد أنّ الشاب الذي نقله كان أحد الانتحاريين اللذين فجّرا نفسيهما. وبعد أكثر من 10 أشهر على الجريمة، أوقفه جهاز أمن المقاومة وسلّمه إلى «المعلومات» الذي حقّق معه، وأحاله على النيابة العامة العسكرية التي أطلقت سراحه!

لاحق «المعلومات» الشاب الذي ساعد «أمن المقاومة» في استدراج المحمد بتهمة الخطف!


ورغم أنّها ليست المرة الأولى التي يترك فرع المعلومات، بإشارة من النيابة العامة العسكرية، متورِّطاً في ملف إرهابي، إلا أنّ ظروف ترك المحمد تختلف عن سابقيه. والأغرب أن فرع المعلومات لاحق الشاب الذي ساعد جهاز أمن المقاومة في استدراج المحمد بتهمة الخطف! كما لاحق ربّ عمله، وهو لبناني، بالتهمة نفسها.
قبل أسبوعين، قصد المحمد مركز الأمن العام في البقاع لإنجاز معاملة لمغادرة البلاد، فأُوقف لورود اسمه في ملف تفجير برج البراجنة. ولدى مراجعة ملفه القضائي، تبيّن أنّه قد أُخلي سبيله مع شريكه (لبناني من آل ص.) بموجب محضر تهريب أشخاص، بناءً على إشارة معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي سامي صادر. ولدى استجوابه بشأن نقل الانتحاري المستت، أفاد بأنّه عُرِض عليه نقله من الداخل السوري إلى الأراضي اللبنانية، لكنّه رفض متذرّعاً بأنّه «شوفير خط، وليس مهرِّباً». لكن الموقوف لم يُقدّم إجابة مقنعة عن سبب استقباله للانتحاري في منزله ما دام سائقاً عمومياً، علماً بأنّه أكّد أنّ المستّت هو الوحيد الذي استقبله في منزله. كذلك لم يجب عن سبب اختياره لتهريب هذا الشخص تحديداً. وقد أشار صادر بإحالته إلى استخبارات الجيش للتوسّع في التحقيق معه.
قد يقول قائل إن المحمّد لم يفعل شيئاً سوى إيواء شخص في منزله، لم يكن يعلم أنه انتحاري. لكن الأداء الأمني والقضائي يُظهر أن من ساهموا في تهريب المتورطين في جريمة برج البراجنة لا يزالون في السجن، بعد مضيّ أكثر من سنة وشهر على توقيفهم، رغم أنهم لم يكونوا يعرفون أن المهرَّبين إرهابيون. وهنا يُطرح سؤال رئيسي: من يُلام على هذه الفضيحة؟ النيابة العامة العسكرية لأنها صاحبة قرار ترك الموقوف وملاحقة مستدرجه، أم فرع المعلومات الذي بذل ما في وسعه لإفراغ الملف من مضمونه، لمجرّد القول إنّه لا يحق لجهاز حزب الله التدخّل في مكافحة الإرهاب أو إنّ نتيجة عمله «مش محرزة»؟