إن كنتَ في العقد الرابع مِن عمرك، وما فوق، لبنانيّاً شيعيّاً، على وجه التحديد، وكانت أمّك محجّبة، فعلى الأرجح سيكون حجابها مُشابهاً لحجاب الوزيرة عناية عزّ الدين. الحديث عن الشكل. شكل قطعة القماش تلك، التي، غالباً، ما ناولتك إيّاها أمّك وأنت رضيع، لتجد فيها رائحتها، فيهدأ روعك، بينما تُكمل هي «شغل البيت».
عن شكل حجاب أمّهاتنا وجدّاتنا وخالاتنا وعمّاتنا، الريفي التقليدي، المعقود عفواً عند مقدّمة أعناقهن. ذاك الحجاب البسيط، في الشكل والمضمون، أو «منديل» جدّاتنا، قبل أن يَستجدّ شكل آخر، أكثر صرامة، أو الحجاب «الأصليّ». الحجاب المُستجدّ الذي شاع منذ ثمانينات القرن الماضي، بشيوع «العودة إلى الدين» وانبعاث «الأصوليّات» التي أعادت أشكال الأشياء إلى أصول مُفترَضة أو مُشتهاة.
هكذا، تلعب صورة الوزيرة عزّ الدين، التي رآها أكثرنا لأوّل مرّة، على وتر التأثير البصري في الذاكرة الحميمة. إنّها صورة أمّهاتنا. هل كان نبيه برّي، الجنوبيّ القح، قاصداً هذا البُعد في تسميتها وزيرة؟ بغض النظر، هي «ضربة أستاذ». هذا ما يُمكن أن يُقال في شأن كونها «مُحجّبة». ثمّة مَن تحدّث، أو سيتحدّث، أكثر. الملعب مفتوح لكاتمي عقد الحجاب ثقافيّاً، مِن المُسلمين وسواهم، الذين، وإن جهدوا في كبتها، لا تنفك تتسرّب على صفحات وجوههم وفي فلتات ألسنتهم.
المُهم، أو الذي ليس عابراً، أن تكون تسمية المرأة الوحيدة في الحكومة، بغض النظر عن مظهرها، جاءت مِن الحصّة الشيعيّة. مِن وفاق الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، أو البيئة التي رُميت كثيراً، خاصة خلال العقد الماضي، بتُهمة «كره الحياة». هل مَن لا يُذكر لافتات «حب الحياة» التي ملأت شوارع بيروت، بعد اغتيال رفيق الحريري، مِن قبل الفريق الذي حمل دمه مدافعاً عن نمط حياة «مُتحرّر» برّاق؟ كانوا يكذبون. لم يتجرأ أي مِن هؤلاء على أن يوزّر امرأة.
أين نِساء وليد جنبلاط في الحكومة؟ المثقّف العضوي التنويري الحداثوي الرهيب! أحدهم سمع أنّ بعض النسوة في صدد التقدّم بشكوى ضدّه في محكمة «زوربا». التُهمة: «فشخرة» و»تهبيط حيطان» تقدميّة. يُقال إن القاضي سيكون اسمه «نيكوس كازانتزاكيس». أيُعقل أن مهرجانات بيت الدين السنويّة لم تنتج أيّ امرأة تليق بأن تكون وزيرة؟ أين نساء «تيار المستقبل» العلموي، تيار القرطاس والدواة والبيكار؟ ألم تفد سعد الحريري سنوات مكوثه في فرنسا نسويّاً؟ المرأة لا تزال ممنوعة مِن قيادة السيارة إلى اليوم في السعوديّة. حسناً، فلتظل «البيعة» صحراويّة، علناً، وبالتالي بلا «حركات قرعة» تحرريّة فارغة. التمثيليّة فاشلة. لا بأس بالانسجام مع النفس.
القوى الأخرى أيضاً، كلّها، أين نساؤها؟ قوى «المجتمع المسيحي» مثلاً؟ فارسات «الشاشات المسيحيّة» كثيرات، إعلاميّاً تحديداً، إعلانيّاً أكثر تحديداً، الظاهرات بكامل عدّة الموضة العالميّة، المتباهيات، أليس مِن بينهن مَن لديها ما تتباهى في مجال آخر؟ بالتأكيد توجد مثقّفات وعارفات، فأينهن؟ ألا ترى فيهن قواهن السياسيّة غير تلك الصورة «الاستهلاكيّة». بعض القوى العلمانيّة، على مواتها، ألا يوجد لديها نساء أيضاً؟ في لحظة، الكلّ يَرتدّ «قبيلة». هذه بلاد الادعاءات. بيع الكلام الفارغ.
بالتأكيد، الثنائي الشيعي، بانفراده بتسمية وزيرة، لا يعني أن المرأة في بيئته خارقة في نيل حقوقها. المرأة هي المرأة في كلّ «البيئات اللبنانيّة». الفارق في النسبة لا في النوع. في الشكل لا في المضمون. لكن، بمطلق الأحوال، ترشيح عزالدين أشبه ما يكون بسبابة من «الثنائي» في عيون «الجعدنجيّة» مِن المُزايدين في التحضّر. حتّى وإن كان مجيء الوزيرة يأتي في إطار «التمريك» السياسي وتسجيل النقاط، إنّما يبقى، في النهاية، نُقطة. سيكون مِن الجيّد أن يَغار الآخرون مِن هذه «النقطة». هل ستنتبه بعض «النسويّات» المتوتّرات إلى هذه اللمحات؟ خاصة أولئك النسويّات اللواتي يتخندقن، ثقافيّاً، في محاور ضد أخرى في السياسة، في كلّ شيء تقريباً، مِن منطلقات نسويّة؟ هذه النماذج الهجينة متوفّرة في بلادنا وبكثرة. ما سلف ليس دفاعاً عن الثنائي الشيعي، إطلاقاً، إنّما محاولة لتفكيك خطاب حقوقي – تحرّري زائف. تفكيك لدعاية، طال عمرها، وبات واجباً كشف خواء «مسوخها».