في عام ١٩٩٦، بحث الرئيس الراحل رفيق الحريري في كتاب العائلات البيروتية التقليدية عن شخصية كاثوليكية يُرشحها إلى الانتخابات النيابية، فوجد أمامه ميشال فرعون. عدم تقديم النائب الراحل نصري المعلوف ترشيحه من جديد، ورغبة الحريري في «خلق» زعامة بيروتية في وجه زعامة آل سكاف الزحلاوية، حصرا الخيارات بوريث إحدى أقدم العائلات التي وصلت إلى بيروت منذ العهد العثماني. «رأس المال خضع في وقت كان المجتمع الآتي منه يرفض الخضوع»، كما يقول أحد السياسيين البيروتيين المناوئين لفرعون. صحيح أنّه كانت قد مرّت ٤ سنوات على «المقاطعة المسيحية» لانتخابات الـ ١٩٩٢، لكن المواجهة مع سلطة الوصاية السورية كانت لا تزال في أوجها. الحريري أبرز حلفائها، وفرعون أصبح صديقاً لها.
لا يضيع ابن الأشرفية أبداً. فأينما يكمن موقع القوة يكُن. من أجل السلطة، التحق بخط الحريري، مع كلّ ما كان يُمثله في التسعينيات من تماهٍ مع الدور السوري. في الـ٢٠٠٥، «ركب موجة ١٤ آذار الشعبية»، كما يقول عضو في أمانتها العامة، علماً بأن فرعون كان في الجبهة المقابلة. فقد شارك في تشرين الأول ٢٠٠٢ في الغداء التكريمي الذي أقامه الوزير غطاس خوري على شرف اللقاء التشاوري الذي أنشئ برعاية سوريا في وجه لقاء قرنة شهوان.
وهو لم يكن يوماً جزءاً من لقاء البريستول. لكنه اليوم الوحيد من «مستقلي 14 آذار» الذي أخذ يُصفق لخيار تبني ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية من مقرّ حزب القوات اللبنانية. سبق العونيين إلى رفع صور رئيس الجمهورية للمباركة بانتخابه، فيما لا يزال صدى كلماته يتردد في الأشرفية، محذراً من انتخاب «حليف حزب الله» في النيابة. وهو كان منذ أيام في معراب، يشكر رئيس القوات سمير جعجع على دعمه لتسلّم حقيبة وزارية من جديد. ميشال فرعون هو نموذج لهذه الطبقة السياسية التي تُحافظ على وجودها مهما تبدلت العهود وأياً تكن طبيعتها.
بالمعنى اللبناني التقليدي، ليس فرعون دخيلاً على عالم السياسة. والده بيار وعمّه هنري شغلا مواقع نيابية ووزارية منذ عام ١٩٢٩. العائلة التي لعبت دوراً أساسياً في بيروت، خاصة في الأربعينيات والخمسينيات، هي أقرب إلى مرجعية بيروتية منها إلى زعامة. يُنافسهم كاثوليكياً آل سكاف، زعماء البقاع في حينه، فأراد آل فرعون دائماً إثبات زعامتهم وامتدادهم خارج بيروت. مثالٌ على ذلك، نقل هنري فرعون ترشيحه النيابي عام 1947 إلى زحلة، ما اضطر جوزف سكاف إلى الترشح في الجنوب لتجنب المواجهة. غالباً ما كانت زعامة عائلة منهما مرتبطة بالأخرى. تتقدّم الأولى حين تتراجع الثانية، والعكس. هذه العلاقة التنافسية، كانت جزءاً من التركة التي حصل عليها وزير السياحة السابق بعد دخوله إلى السلطة. فهو أيضاً «عينه» على التوسع بقاعاً والاستفراد بزعامة الطائفة. هناك العديد من الفروقات بين العائلتين «الكاثوليكيتين»، أبرزها أنّ زعامة سكاف جماهيرية، على العكس من فرعون الذي ليس لديه علاقة مباشرة مع الناس. النظرة إلى الأحزاب السياسية ميزت إحداهما عن الأخرى أيضاً. فرعون يتعامل مع السلطة وفق منطق العرض والطلب، فيرضى بأن يستفيق في الحكومة الحالية وزير دولة للتخطيط (أعلن أنه لا يعرف ما تعنيه هذه المهمة) بعدما نام وزيراً للسياحة. أما آل سكاف، فلا يملّون من ترداد شعارات على نسق «سيادة قرار زحلة»، رافضين أن تُحدد لهم الأحزاب حصتهم ووزنهم السياسي.
نائب بيروت الأولى «ليس سياسياً، بل تاجر يتصرف وفقاً لمصلحته»، بحسب مصدر مقرّب من الرئيس سعد الحريري. وصف فرعون بالتاجر لا يأتي من باب ذمّه. المقصد هو الربط بين دوره كرجل أعمال يبحث عن عقد الصفقات الناجحة، وانعكاس ذلك على رؤيته للعمل السياسي. لا ينفصل ذلك عن تاريخ عائلته التي أسّست أول مصرف خاص في لبنان «فرعون وشيحا» (اشتراه أخيراً بنك بيبلوس) وترأست مرفأ بيروت وميدان سباق الخيل. وهو كان مساهماً في مصرف العائلة ويترأس العديد من مجالس إدارات الشركات.

نسج علاقات مع الأوصياء السوريين على لبنان، وكان صديقاً لغازي كنعان


نسج علاقات أكثر من جيدة مع «الأوصياء» السوريين على لبنان. البعض يقول إن بوابة عبوره إلى سوريا كان «رجل الأعمال» عهد بارودي. والبعض الآخر، ممن عايش تلك المرحلة، يرى أن فرعون دخل سوريا «خلف رفيق الحريري ومن خلال الثنائي عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي». كان صديقاً لرئيس شعبة الاستخبارات السورية في لبنان (١٩٨٢ ــ ٢٠٠١) الراحل غازي كنعان. وتوطدت علاقتهما لأن الرجل الأمني «لم يكن يستسيغ آل سكاف بسبب تحريض بعض الفعاليات الزحلية عليهم، فأراد تقوية شخصية كاثوليكية في وجههم». تعيين رستم غزالة خلفاً لكنعان، «وانفتاحه على آل سكاف»، لم يعنِ «التعرض لوجود فرعون السياسي الذي لم يدَّعِ يوماً أنه ثقل كاثوليكي خارج بيروت، إلا بعد اغتيال الحريري وبروز ١٤ آذار».
يصف أحد سياسيي الأشرفية فرعون بأنه «مثال الرجل الأرستقراطي الذي يملك المال، ولكنه يوظف القليل من ماله في الشأن العام». كان يُعاونه مادياً، بصورة غير مباشرة، رجل الأعمال نبيل صحناوي وابنه أنطون (رئيس مجلس إدارة مصرف «سوسييتيه جنرال في لبنان»). ففرعون كان يرى «أن الذين يخدمهم آل صحناوي سيصبون في رصيده في النهاية». إلى أن فرّقت الانتخابات الاختيارية الأخيرة ما جمعه حلف ١٤ آذار «بعد أن تبين لأنطون صحناوي أنّ فرعون الذي بدأ ينفتح على التيار الوطني الحر لا يستشيره في اختيار المرشحين». وقد تمكن صحناوي من «استمالة مختارَين من أصل ستة رشحهم فرعون». يذكر السياسي ذلك، مع علمه أنّ صحناوي قادر على «إحراج الوزير وليس الفوز عليه، لأن المعركة مرتبطة أيضاً بالتحالفات» التي لا يبدو أنها ستأتي على حساب تمثيل فرعون النيابي. فالعضو السابق في اللقاء التشاوري (وهو غير اللقاء المذكور أعلاه) الذي «قاده» الرئيس السابق ميشال سليمان عرف كيف يظهر للناس أنه نائب مستقل عن الأحزاب، بالتنسيق مع الحريري، «إلى أن أصبح رمزاً للقوات في الأشرفية ويعطي مشروعية للائحتها الانتخابية». يهمّ ثنائي التيار والقوات أن يبرزا أسماء «مستقلين» يؤيدون تحالفهما، دحضاً للاتهامات بأنهما يعملان على إقصاء كل من لا يدور في فلكهما.
تضحك مصادر رفيعة المستوى في تيار المستقبل حين تتحدث عن فرعون: «زار معراب، وشكر جعجع على توزيره. لكن حين تقول القوات إن كتلتها تضم ٣ وزراء، فهذا يعني أنّ فرعون من حصتنا». ففي البدء كانت علاقة فرعون مع رفيق الحريري، ليتحول بعدها إلى حريريٍّ صديق للسوريين، ثم حريريٍّ ضمن تحالف ١٤ آذار، وحريريٍّ مؤيد للتوافق العوني ــ القواتي، وحريريٍّ ــ قواتيٍّ في الحكومة الجديدة. يبدو التحالف مع آل الحريري الثابت الوحيد في حياة وزير الدولة، والصفقة الأربح في مسيرته السياسية.