اخترقت رصاصات عدة جسد الجندي في استخبارات الجيش اللبناني علي القاق، في أحد شوارع دمشق، ظهر أول من امس. الأجهزة الأمنية تكتّمت على الخبر، ومن بينها مديرية المخابرات التي ينتمي إليها. وحده رصاص الابتهاج وبيانات «الوحدة الأمنية» لعشيرة آل جعفر تكفّلت بالإعلان عن تنفيذ الجريمة «الثأرية» بحق ابن الثلاثين عاماً.
«ثأر» بعض أبناء عشيرة آل جعفر لابنها هادي محمد جعفر (19 عاماً)، الذي قتل عند حاجز لمخابرات الجيش على طريق بلدته القصر (قضاء الهرمل) في أيلول الماضي. قصد حاملو الثأر القاق إلى العاصمة السورية، وقتلوه، «بعد التثبت من هوية مطلق النار على ابننا هادي». مصادر في عشيرة آل جعفر أكدت لـ»الأخبار» أن الثأر نفذ بعدما تم التثبت من هوية مطلق النار، ومراقبة حركة مناقلاته العسكرية، مع توافر معلومات عن نيته السفر إلى تركيا عبر سوريا».

كيف عرف منفّذو الجريمة بتفاصيل التحقيقات العسكرية وتحركات الجندي الشهيد؟


ورفضت المصادر إعطاء تفاصيل حول كيفية حصول عملية «الثأر»، إلا أن تسجيلاً صوتياً أشار إلى أن «الوحدة الأمنية للشهيد هادي جعفر» هي التي نفذت عملية «الاقتصاص» من القاق. وفي تفاصيل الجريمة، بحسب معلومات أمنية حصلت عليها «الأخبار»، أن القاق توجه بموجب مأذونية رسمية مدتها 48 ساعة (تبدأ من السادسة من صباح الإثنين تاريخ 26 الجاري وتنتهي صباح اليوم في 28 كانون الأول)، بقصد زيارة السيدة زينب برفقة والدته وشقيقته. وبعد أن ترك عائلته في سوق الحميدية وتوجه إلى المقام بسيارة تاكسي، يرجّح أنه لاحظ حركة مريبة بسيارتين من نوع جيب، الأمر الذي دفعه إلى الترجل من التاكسي والفرار في اتجاه أحد الشوارع، حيث لاحقه المسلحون وأطلقوا عليه النار من أسلحة حربية.
مصادر آل جعفر أكدت أن الجريمة «ثأرية» وحصلت نتيجة «تراخي» قيادة الجيش في الإيفاء بالعهد الذي قطعته بمحاسبة مطلقي النار على ابنهم، وإنزال أشد العقوبات بحقهم، «ولكن يبدو أنها نسيت دم ابننا هادي نتيجة ضغوطات أو محسوبيات، الأمر الذي دفع الشباب للاقتصاص من القاتل نفسه». مصادر أمنية أشارت إلى أن مقتل الشاب هادي جعفر كان عن «طريق الخطأ»، بعد أن كانت الدورية نفسها تعرضت لإطلاق نار من أحد المطلوبين. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس فرع مخابرات البقاع العقيد علي عواركه كان قد زار منزل محمد جعفر، والد هادي، في أيلول الماضي، وأكدت العشيرة حينها «حرصها على المؤسسة العسكرية وثقتها بها، وأن العشيرة تحت سقف القانون وتحترم المؤسسة العسكرية، على أن يتم إجراء تحقيق شفاف يعاقب بنتيجته مرتكبو جريمة قتل هادي جعفر».
سيارة إسعاف تابعة للجيش مع وفد عسكري ضمّ ضباطاً من مكتب التنسيق، دخلوا صباح أمس الأراضي السورية عبر نقطة المصنع، ونقلوا جثمان القاق إلى مستشفى الهراوي الحكومي في مدينة زحلة، للكشف عليه من قبل الطبيب الشرعي، بتكليف من مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر. وسيسلم جثمانه لذويه صباح اليوم، لينقل إلى بلدته السفري ــ قضاء بعلبك.
إلا أن اسئلة عديدة لا يمكن التغاضي عنها، ولا بد من طرحها، حول كيفية تمكن أشخاص مدنيين من معرفة عدد من الأمور التي ينبغي أن تكون عسكرية وعلى درجة من السرية. أحد تلك الأسئلة يتمحور حول مدى القدرة على متابعة تحقيقات يفترض أنها عسكرية وسرية تتعلق بمقتل الشاب هادي جعفر على حاجز مخابرات الجيش، وكيف تمكن الجناة من معرفة تاريخ مأذونية القاق ودخوله الأراضي السورية بعد ساعات قليلة؟ وهل دخل هؤلاء الى دمشق بأسلحتهم أم أن هناك منفذين آخرين غير لبنانيين؟ هذه الاسئلة وغيرها بدأت الأجهزة الأمنية التدقيق فيها للبحث عن المتورطين والمحرضين والمنفذين.
وكانت وحدات من فوج المجوقل وفوج الحدود البرية قد نفذت عمليات دهم لمنازل لآل جعفر في القصر فجر أمس، وأوقفت شخصين للاشتباه فيهما، وضبطت أسلحة وذخائر. وأصدرت مديرية التوجيه أمس بياناً أعلنت فيه دهم منازل في منطقة القصر – الهرمل، تعود لمطلوبين وللمشتبه في علاقتهم «بالعمل الإجرامي الذي استهدف العريف في الجيش علي ماجد القاق، خلال وجوده بمأذونية في محلة السيدة زينب ــ دمشق وأدّى إلى استشهاده». وأكدت المؤسسة العسكرية أنّ «الجيش لن يسكت عن هذا العمل الإجرامي الجبان، وسيلاحق القائمين به والمحرضين عليه أينما كانوا، حتى إلقاء القبض عليهم وتقديمهم إلى العدالة».