كشفت جلسة التصويت على الثقة لحكومة الرئيس سعد الحريري، أمس، أكثر من ثغرة ونقطة ضعف سياسية في طرابلس والشمال، من شأن عدم معالجتها إحداث تصدّع كبير في جسم التيار الأزرق وحلفائه.
هذه الثُّغَر لم تتمثل فقط في تراجع عدد النواب الطرابلسيين والشماليين الذين أعطوا حكومات المستقبل ثقتهم منذ عام 2005، بل ترجم ذلك في نقطتين: الأولى خروج نواب من تحت العباءة الزرقاء وحجبهم الثقة عن حكومة الحريري شخصياً، في سابقة لم تحصل منذ دخوله معترك الحياة السياسية؛ والثانية غياب متعمّد لنواب موالين وحلفاء، عن جلسة الثقة، ما سيفرض على الحريري التعاطي مع واقع لم يختبره سابقاً.

غياب نصف نواب طرابلس عن جلسة الثقة بيّن أن مأزق الحريري ليس بسيطاً


فحجب نائب عكار خالد ضاهر ثقته عن الحكومة ليس تطوراً عابراً، خصوصاً أنه جاء بعد «تسوية» أفضت إلى عودته إلى كنف الكتلة الزرقاء بعد تعليق عضويته فيها، والسير في ركب الحريري بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً، ما يطرح أسئلة عن مستقبل علاقته مع الحريري في الانتخابات المقبلة.
كذلك إن غياب 8 نواب شماليين عن جلسة الثقة كشف عن برودة لافتة في التعاطي مع الحريري وحكومته، وأن أمامه الكثير من المهمّات لإعادة «الحرارة» إلى علاقته بهم في المرحلة المقبلة. إذ إن غيابهم عن الجلسة لم يكن لأن حصول الحكومة على الثقة كان مضموناً، ولكنه مرتبط بحسابات أخرى.
وإذا كان غياب عضوي كتلة التضامن الرئيس نجيب ميقاتي والنائب أحمد كرامي، بُرِّر ببيان قبل الجلسة، وكذلك غياب النائب سليمان فرنجية الذي لا يحضر عادة معظم جلسات الثقة، إلا أن غياب نواب مقربين أو حلفاء طرح أكثر من سؤال. ويأتي في مقدم هؤلاء النواب محمد الصفدي، ستريدا جعجع وبدر ونوس. فالأول عادت المياه إلى مجاريها بينه وبين الحريري بعد تباعد؛ والثانية تمثل حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه زوجها بثلاثة وزراء في الحكومة الحالية، والثالث لم يغب يوماً عن أي جلسة ثقة منذ أن أصبح نائباً عن طائفته تحت خيمة تيار المستقبل.
يضاف إلى هؤلاء المتغيبين (وعضو كتلة المردة النائب سليم كرم) النائب بطرس حرب. فهو برغم إعلانه في كلمته في جلسة مناقشة البيان الوزاري أنه لن يمنح ثقته للحكومة كما لن يحجبها عنها، إلا أنه بغيابه يضع لنفسه هامشاً للتحرّك في الانتخابات النيابية المقبلة التي سيواجه فيها تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في دائرة البترون، متحالفاً على الأرجح مع فرنجية والكتائب.
كل ذلك تكشفه لغة الأرقام للنواب الشماليين الحاضرين جلسة الثقة أمس. فقضاء المنية ــ الضنية حضر نوابه الثلاثة أحمد فتفت، قاسم عبد العزيز وكاظم الخير وأعطوا ثقتهم للحكومة، وكذلك فعل نواب الكورة فريد مكاري، نقولا غصن وفادي كرم. أما خالد ضاهر، فخرج وحده عن إجماع نواب عكار الستة الآخرين، فيما كشف غياب نصف نواب طرابلس أن مأزق الحريري في المدينة ليس بسيطاً، وأنه ينتظره فيها الكثير من «وجع الرأس».