أظهرت الأرقام التي تناقشها لجنة المال والموازنة النيابية أن الوزارات تنفق نحو 387 مليار ليرة سنوياً تحت خانة دعم الجمعيات، إضافة الى مبلغ مماثل تنفقه البلديات على الجمعيات أيضاً في نطاقها، من دون أي حسيب أو رقيب.
كذلك هناك مبالغ طائلة غير محددة تُمنح للجمعيات عبر مؤسسات عامّة، كمصرف لبنان، أو عبر شركات تملكها الدولة ولا تخضع للمحاسبة العمومية، مثل شركتي الخلوي وغيرهما... كذلك فإن الوزارات تدفع الى UNDP نحو ١٤ مليار ليرة سنوياً من أجل التكرم بمستشارين وفرق عمل ثبت أنها لا تعمل شيئاً، فضلاً عن أمثلة كثيرة عن هدر المال العام واستنزافه، ولا سيما في مجالات استئجار الابنية الحكومية.
لا يبدو أن هناك نيّة بوقف هذه المهزلة، إذ يستمر إعطاء المال لأشخاص يسمّون أنفسهم "جمعيات"، ولا يشك أحد في أنها لا تنفق أكثر من 10% ممّا "تشفطه"، مستفيدة من عدم وجود أي شكل من أشكال الرقابة والمحاسبة، علماً بأن الجمعيات التي لا تبغي الربح هي معفاة من الضرائب، ويُفترض أنها تقوم على العمل التطوعي، ولكن ما يحصل في الواقع أن أصغر "ناشط" في بعض الجمعيات يتقاضى أضعاف ما يتقاضاه الموظف في القطاع العام، ويكاد يمكن القول إنه لا يوجد متطوع واحد في غالبية هذه الجمعيات. ويكفي في هذا السياق تأمين ثلاث بطاقات هوية وثلاثة سجلات عدلية لإنشاء جمعية ومراجعة الوزير أو البيك أو الزعيم ليوصي بصرف مساعدة لجمعيتهم المزعومة.
مثلاً، يمكن لبلدية بيروت أن تمنح مليون دولار لمستفيد واحد من دون أن يرف رمش أحد. يجلس المحافظ في مكتبه ويوعز بالصرف لهذه الجمعية وتلك. تحرر الإنفاق البلدي بشكل شبه كامل في السنوات الـ10 الماضية من كل مؤسسات الرقابة بسبب تآمر المرجعيات السياسية للالتفاف العام على القوانين. الأموال التي تنفقها البلديات والوزارات وشركتا الاتصالات ومصرف لبنان على الجمعيات والمهرجانات لا تفيد المواطنين بشيء.
المشكلة أن السياسيين قرروا منذ بضع سنوات إغراق البلد بالفساد وتوسيع دائرة المنتفعين وإتخام أزلامهم وزوجاتهم وكل الأقرباء من المال العام. 387 مليار ليرة من الوزارات ومثلها أو أكثر من البلديات، ومثلها أيضاً من مؤسسات وشركات الدولة: يوجد ألف مليار وحبة مسك للزوجات والأزلام والمحاسيب الذين يسمّون أنفسهم جمعيات، لكن لا مال لتمويل السلسلة.