المستحوذون على الثروة والأرباح والمداخيل العالية والامتيازات لا يريدون أي «إصلاح»، مهما كان متواضعاً ومحدوداً، يرفضون مبدأ تصحيح الأجور ويهوّلون بعظائم الأمور كلما جرى طرح تعديل ضريبي يمسّ «جنّتهم»، حتى ولو كان الطرح مجتزأً و»حنوناً»... المصيبة أن هؤلاء يثبتون مرّة بعد مرّة أنهم السلطة الحقيقية على الدولة، وهم الذين يمتلكون قرارها، وباستطاعتهم دائماً أن يفرضوا شروطهم على الفئات الاجتماعية الأخرى التي لا تحظى بصوت لها ولا بمنبر.
في الأيام الأخيرة، لاحت مؤشرات جدية على احتمال أن يقدم رئيس الجمهورية ميشال عون على خطوة ستعيد الأمور الى النقطة الصفر، أو الى ما تحت النقطة الصفر، وتتمثل برد قانوني سلسلة الرواتب والتعديلات الضريبية الى مجلس النواب لإعادة مناقشتهما وتعديل بعض أحكامهما، وفق مشيئة المعترضين، وفي مقدمهم المصارف وأصحاب المهن الحرة، الذين لا يريدون أن يسددوا ضرائب إضافية على أرباحهم... وكذلك أصحاب المدارس الخاصة، الذين لا يريدون أن يقلّلوا أرباحهم قليلاً، وبالتالي يعترضون على تصحيح رواتب المعلمين ويهددون بزيادة الأقساط بمعدلات كبيرة إذا لم تدفع لهم الدولة من جيوب المكلفين كلفة هذا التصحيح... وأيضاً القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية الذين يخوضون معركة الحفاظ على موقعهم الوظيفي ومكاسبهم...
تنص المادة 57 من الدستور على حقّ رئيس الجمهورية في «طلب إعادة النظر في القانون مرّة واحدة خلال شهر، ويصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً. وفي حال انقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته، يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره».
يقول النائب آلان عون لـ«الأخبار» إن الرئيس عون لم يتخذ قراراً حاسماً في شأن استعمال هذه الصلاحية الدستوريّة، «لكن الأكيد أنه سيستنفد كلّ الفترة الدستوريّة المحدّدة بشهر قبل اتخاذ أي قرار نهائي (...) وخصوصاً أن موقفه كان واضحاً منذ البداية لناحية وجوب إقرار الموازنة العامّة قبل قانونَي السلسلة والإجراءات الضريبيّة، بهدف إعادة الانتظام إلى الماليّة العامّة وتحديد المداخيل والنفقات، قبل تحديد الحاجات».
لقد فتح الرئيس عون بابه في قصر بعبدا لكل أولئك المعترضين، الذين يضغطون عليه لرد القانونين وعدم التوقيع عليهما. وقد أبلغ عون زوّاره أنه «سيجري تقييماً للواقع الذي استجد بعد إقرار السلسلة والأحكام الضريبيّة خلال جلسة مجلس الوزراء، كون الملاحظات التي طرحت في أكثر من قطاع تستوجب درسها بروية ومسؤولية، لأن الأمر يتعلّق بالسلامة العامّة لماليّة الدولة، وبالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ولأن التشريعات التي أقرّها مجلس النواب على صلة مباشرة بحقوق العمال والموظّفين ومكتسباتهم، والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم».
تشير مصادر وزاريّة لـ«الأخبار» إلى أن «هناك ضغوطاً كبيرة تمارسها جمعيّة المصارف، وحملات تهويل تروّج لها حول خطر السلسلة على الوضع الاقتصادي، لردّ الإجراءات الضريبيّة التي تطاولها، بما ينسف المحاولة الأولى الجديّة منذ عام 2007 (بعد باريس 3) لإصدار ضرائب مباشرة تطاول الجيوب الكبيرة. وهو ما سيؤدّي إلى طرح رئيس الجمهوريّة موضوع السلسلة من خارج جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المقرّرة، يوم غد الخميس، والتي سيكون أبرز محاورها تعديل الإجراءات الضريبيّة على فوائد المودعين والأرباح المصرفيّة والـ TVA».
يشير النائب آلان عون الى أن الهدف من طرح الأمر مجدداً على مجلس الوزراء هو التوصّل إلى «اتفاق سياسي بين كلّ القوى المُمثلة في مجلس الوزراء»، وخصوصاً أن «ردّ مشروع السلسلة ليس بالأمر السهل اتخاذه إلّا بعد التوافق مع القوى السياسيّة». ويتابع عون «لا قرار نهائياً حتى الآن، بل سيكمل الرئيس مشاوراته بعدما تحوّل مقصداً لكلّ المعترضين على القانون، وذلك بالتوازي مع مناقشة كلّ الاعتراضات والتفاهم حولها خلال الفترة الدستوريّة المحدّدة لردّ القانون، علماً بأن السلسلة مرتبطة بالضرائب ولا يمكن فصلها وخلق أزمة جديدة لتمويلها، والأرجح أننا سنكون أمام حلّ يقضي بتقديم اقتراحات لتعديل قوانين وإجراءات ضريبيّة بناءً على ملاحظات كلّ القوى السياسيّة».

نقابات المهن الحرة: لا نريد أن ندفع ضرائب أكثر



يلتقي وفد من اتحاد نقابات المهن الحرة رئيس الجمهورية، عند العاشرة من صباح اليوم، ليشرح اعتراضه على المادة 17 من قانون المواد الضريبية لتمويل السلسلة، المتعلقة بتوسيع نطاق تكليف المهن الحرة، والمادة 36 من مشروع قانون الموازنة لعام 2017 المتصلة بتعديل الفقرة الأولى من المادة 56 من القانون 44 بتاريخ 11/11/2008 (قانون الإجراءات الضريبية وتعديلاته) والخاصة بمهل التحصيل.
بحسب نقيب المحامين في بيروت، أنطونيو الهاشم، توجب المادة 17 على أصحاب المهن الحرة الخاضعين لنظام الربح المقطوع تضمين تصاريحهم المهنية الأرباح المتأتية من الإيرادات المالية (الفوائد) المقتطعة ضريبتها أساساً من المصارف، ومن ثم تطبيق الضريبة التصاعدية. ويعتبر الهاشم أن هذا التدبير ينطوي على ازدواجية تكليف ويخالف مبدأ المساواة أمام الضريبة، كونه استثنى جميع المكلفين بضريبة الباب الثاني (الموظفين والأجراء) أو الباب الثالث.
وتقضي المادة 17 برفع الضريبة على الفوائد من 5% إلى 7%، وتنص في الفقرة الثانية على ما يأتي: «إذا كانت هذه الفوائد والعائدات والإيرادات عائدة إلى مؤسسات تجارية أو مهن حرة خاضعة للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع، فإنها تبقى خاضعة للضريبة المنصوص عليها في الفقرة (أولاً)، وتضاف قيمتها الصافية، بعد حسم قيمة ضريبة الباب الثالث، إلى الإيرادات السنوية لتلك المؤسسات والمهن، ويطبق عليها معدل الربح المقطوع لاستخراج الربح الصافي الخاضع لضريبة الباب الأول». ويعترض اتحاد نقابات المهن الحرة على المادة 36 من مشروع قانون الموازنة التي تحدد مدّة مرور الزمن بـ 4 سنوات لسقوط جميع الضرائب غير المسددة الصادرة بموجب جداول تكليف أو أوامر قبض أو المصرح عنها. وقال الهاشم إنه تم التوافق على تمديدها إلى سبع سنوات، إلا أنّ وزارة المال نكثت بالوعود وتراجعت عن هذا الاتفاق.

البطريرك الراعي الناطق باسم أصحاب المدارس



في موقف لافت، أعطى البطريرك بشارة الراعي غطاء لزيادة الأقساط المدرسية أو صرف المعلمين والموظفين في حال تنفيذ قانون سلسلة الرتب والرواتب في المدارس الخاصة غير المجانية والمجانية. ودعا الراعي، في عظة الأحد الماضي، إلى سماع صوت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، قائلاً: «المطلوب عدم تطبيق أي زيادة على الرواتب تصدر بعد الأول من تموز الماضي، لأن تسجيل الطلاب للعام الدراسي المقبل تم وفقاً للأقساط المقررة، ولأن العقود مع الهيئة التعليمية وقّعت برواتب محددة تبعاً لذلك». وأشار إلى أنّ «زيادة الأقساط ستأتي مجحفة ومرهقة للأهل، ما يضطرّهم إلى سحب أولادهم من هذه المدارس، وإرغام الأخيرة على الإقفال أو صرف العديد من الأساتذة والموظفين وحرمانهم من فرص العمل». الراعي طالب الدولة بتأمين دفع الزيادات وإيجاد الإيرادات كما تفعل بالنسبة إلى القطاع العام، محملاً إياها مسؤولية وحدة التشريع بـ«ربط القطاع الخاص بالقطاع العام من غير حق».
وفي وقت لاحق، خرجت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية تدافع عن موقف الراعي الذي «لم يدعُ إلى عدم زيادة الرواتب، بل إلى عدم فرض زيادة غير مدروسة، والعمل على إيجاد الإيرادات للقطاع الخاص واحترام الأنظمة والمهل». واستغربت الحملة السياسية والإعلامية التي تطاول رجال الدين والمؤسسات الخاصة لتبرير ما تضمنه قانون السلسلة. وقالت إنها ستسلم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مذكرة بمطالبها وستشرح موقفها في مؤتمر صحافي تعقده قريباً.
وبينما اعتبر المعلمون أن موقف الراعي ليس مفاجئاً ويشكل صفعة لقانون السلسلة، رأى رئيس نقابة المعلمين رودولف عبود أن «الكلام يترجم ببساطة موقف المدارس الكاثوليكية». وقال عبود إن النقابة طلبت موعداً من البطريرك للوقوف على معطياته في هذا الملف ولشرح الزيادات على الأقساط التي قامت بها إدارات المدارس في السنوات الخمس الأخيرة، بحجة زيادة رواتب المعلمين. أما بالنسبة إلى فصل التشريع وتحرير الرواتب من القيود القانونية، فأكد عبود أنّها نقطة مصيرية والمسّ بها مرفوض بالمطلق، منعاً لتطبيق شريعة الغاب ووقوع المعلمين تحت رحمة أصحاب المدارس.

اعتكاف القضاة مرهون بالاستجابة للمطالب


للأسبوع الثاني، يستمرّ القضاة في اعتكافهم عن الأعمال القضائيّة، احتجاجاً على مواد في قانون سلسلة الرتب والرواتب، تطاول مكاسبهم ولا سيما خفض العطلة القضائيّة من شهرين إلى شهر، وتوحيد الصناديق الضامنة للموظفين، ومن ضمنها صندوق تعاضد القضاة، فضلاً عن عدم رفع أساس راتب القاضي الأصيل كي يبقى أعلى من سائر موظفي القطاع العام. البندان الأخيران يعتبرهما القضاة مساً باستقلاليّة القاضي الماليّة عبر ربط التقديمات الاجتماعيّة بالحكومة.
وكان مجلس القضاء الأعلى قد اقترح حلاً يقضي بتقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر بمادة وحيدة بثلاث نقاط وهي:
ـ تعديل سلسلة الرتب والرواتب بحيث يصبح راتب القاضي يساوي راتب موظف فئة أولى.
ـ إسقاط ذكر صندوق تعاضد القضاة من مادة قانون «الإصلاحات الضريبية» التي نصت على توحيد صناديق التعاضد، لأن هذا الأمر يتعلّق بشؤون سلطة ينظمها قانون القضاء العدلي.
وأشار رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي جان فهد، في اتصال مع «الأخبار» إلى أنّنا «أعددنا اقتراح القانون ووضعناه في عهدة وزير العدل سليم جريصاتي، الذي وعد بمتابعته مع الجهات المعنية».
وعن لقاء المجلس مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، قال فهد إننا «لمسنا تفهماً لخصوصيتنا ننتظر ترجمته إلى قرارات عملية منصفة في القريب العاجل، ما سينعكس على تعليق تحركنا».

أساتذة الجامعة اللبنانية: تحصين خصوصيتنا



طالبت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية رئيس الجمهورية بتعديل قانون سلسلة الرتب والرواتب لجهة إلغاء المادة 31 من القانون، المتعلقة بتوحيد الصناديق الضامنة، ورفضت أي مس بتقديمات صندوق تعاضد أساتذة الجامعة.
زارت الرابطة قصر بعبدا، أخيراً، ونقلت مصادرها عن الرئيس قوله إنه «سيحاول ترميم الأمور في مجلس الوزراء، باعتبار إنو ما حدا مبسوط من هالسلسلة لا اللي رح يدفعوا (المصارف) ولا اللي رح يقبضوا».
أعلنت الرابطة أنها طالبت «بإلغاء المادة 31 التي تطيح أحد أهم مكتسبات أساتذة الجامعة اللبنانية، وهو صندوق التعاضد الذي يشمل الأساتذة في الملاك والتفرغ، بعدما كانت تعاونية موظفي الدولة لا تشمل المتفرغين، وشكل دوماً مظلة الأمن الصحي والاجتماعي وقد كان حافزاً لعدد كبير من الأساتذة الجامعيين للتفرغ في الجامعة، رغم أن راتب الأستاذ فيها كان أدنى من راتب مثيله في الجامعات الخاصة». ودعت، في مذكرة، إلى «إقرار سلسلة جديدة لأساتذة الجامعة تنصفهم»، وطالبت «بتحصين الأستاذ الجامعي مادياً ومعنوياً كي يبقى راتبه متميزاً ويبقى قادراً على القيام بدوره». وشرحت «أن أستاذ الجامعة اللبنانية هو الموظف الوحيد في الدولة اللبنانية الذي ألزمه القانون 6/70 (قانون التفرغ) بالتفرغ الكامل للتدريس والبحث في الجامعة، ولا يحق له القيام بأي عمل اَخر مأجور».