سجل ميزان المدفوعات عجزاً بقيمة 758 مليون دولار في شهر حزيران الماضي، بحسب الإحصاءات الصادرة عن مصرف لبنان. جاء هذا العجز في ظل "هندسة مالية" جديدة ينفذها البنك المركزي أسفرت عن تراجع الموجودات الخارجية الصافية لدى المصارف التجارية بقيمة مليارين و523.4 مليون دولار وزيادة الموجودات الخارجية الصافية لدى مصرف لبنان بقيمة مليار و765.4 مليون دولار، ما يعني أن هذه "الهندسة" لم تساهم بدخول أموال جديدة الى لبنان، بل بالعكس، إذ إن العجز المسجل يعبر بوضوح عن أن الأموال الخارجة من لبنان لا تزال أكبر من الداخلة إليه.
بالاستناد الى الإحصاءات نفسها، بلغ العجز التراكمي في ميزان المدفوعات في النصف الأول من هذا العام نحو مليار و115.6 مليون دولار، وهو نجم عن تراجع الموجودات الخارجية الصافية لدى القطاع المالي اللبناني (للأشهر الستة) بقيمة 769 مليون دولار (المصارف) وبقيمة 346.6 مليون دولار (مصرف لبنان).
وكان ميزان المدفوعات قد سجّل العام الماضي فائضاً تراكمياً، لأول مرة منذ عام 2010، قدره 1.238 مليار دولار، نتيجة "الهندسة المالية"، التي نفذها مصرف لبنان حينها، ونجم عنها أرباح استثنائية فورية للمصارف قدّرت بنحو 5.6 مليارات دولار على حساب المال العام.
يثبت العجز المتراكم في ميزان المدفوعات خلال أول 6 أشهر من العام الجاري، أن آثار هذه الهندسات محدودة النطاق وترتب على الاقتصاد اللبناني أكلافاً كبيرة، كان قد حذّر من مخاطرها البنك الدولي وغيره من مؤسسات مسبقاً.
عاد العجز إلى ميزان المدفوعات في عام 2017، بعد ثلاثة أشهر من الفائض (166.7 مليون دولار في كانون الأول، 341.8 مليون دولار في شباط، و46.3 مليون دولار في آذار)، وانقلب الوضع في شهر نيسان الماضي ليسجل عجزاً قيمته 320.9 مليون دولار، وسجّل شهر أيار عجزاً قيمته 591.5 مليون دولار، وسجل شهر حزيران عجزاً قيمته 758 مليون دولار.
تراكم العجز في ميزان المدفوعات مجدداً يدحض الادعاءات التي سوّقت للتجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ويؤكد أن النظام المالي اللبناني لم يعد بإمكانه الاستمرار وفق النموذج القائم من دون تدخلات مستمرة من قبل المصرف المركزي، والتي تأتي على أشكال عدة، كانت الهندسات أبرزها، وكذلك الرزم التحفيزية الموجهة لدعم القطاع العقاري.
يشير الخبير الاقتصادي، توفيق كسبار، في ورقة له، إلى أنه نتيجة السياسات المالية المعتمدة منذ 1993 لتحسين سعر صرف الليرة وتثبيته، تفاقم عبء الدين وشلّ النشاط الاقتصادي. وأدى دخول الدين وخروج رأس المال إلى إضعاف السياسة الاقتصادية للحكومة ومديونيتها إزاء ميزان المدفوعات، ما «تسبب بهشاشة في بنيته». ويذكر كسبار أن نسبة الصادرات حالياً لا تزيد على 10% من إجمالي الناتج المحلي، في حين كانت تصل إلى 18% عام 1975. أما على مستوى الخدمات المرتبطة وغير المرتبطة بالإنتاج، باستثناء السفر والنقل، فإنها في أغلبها تسجّل اليوم عجزاً في ميزان المدفوعات. في المقابل، يقول كسبار إنه نتيجة حساب رأس مال قوي، كان لبنان يحافظ على ميزان مدفوعات إيجابي باستمرار حتى 2011، إذ سجّل بين 2001 و2005 فائضاً قيمته 4.692 مليارات دولار، تلاه فائض في كل عام حتى 2011، كان أهمها عام 2009 الذي سجّل فائضاً بنسبة 7.889 مليارات دولار، ليكون مجموع الفائض المتراكم في ميزان المدفوعات بين عامي 2006 و2010 حوالى 19.517 مليار دولار، مقارنةً بعجز متراكم وصل إلى 9.422 مليارات دولار بين عامي 2011 و2015، العام الذي شهد أسوأ نسبة عجز خلال تلك الفترة كانت قيمته 3.354 مليارات دولار.
(الاخبار)