مدّد مجلس الأمن الدولي مساء أمس، مهمّة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، سنة واحدة، من دون تعديل جوهري في مهمة هذه القوات. وبذلك، فشلت واشنطن في فرض تغيير مهمة اليونيفيل، بما يتناسب طبعاً مع المطالب الإسرائيلية. طوال الأشهر الثلاثة الماضية، شنت واشنطن، على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة نيكي هايلي، هجوماً عنيفاً على قوات اليونيفيل، متهمة إياها بالتخاذل عن أداء المهمات المطلوبة منها، لجهة «كبح» تسلّح حزب الله.
وتزامن الهجوم الأميركي، مع آخر إسرائيلي، شنّه مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى، على مدى الأسابيع الماضية، ضد قوات اليونيفيل. الهدف كان واضحاً: «أسرَلة» مهمة اليونيفيل بالكامل. في مجلس الأمن الدولي، كان موعد التجديد لليونيفيل قد اقترب (تنتهي مهمة اليونيفيل كل عام يوم 31 آب). ومع تقديم لبنان طلباً للتجديد، انتهزت الولايات المتحدة الفرصة، لإدخال تعديلات على مهمتها، تتلخّص بالآتي: زيادة عديد اليونيفيل، وتحويلها إلى قوة وصاية، يُسمح لها بالتجول حيث تريد، وتفتيش ما تشاء، ساعة تشاء، بلا أي تنسيق مع الجيش اللبناني، ومن دون نيل إذنه.
التصدي للمسعى الأميركي ـ الإسرائيلي جرى على محاور ثلاثة: الأول، من الدول المشاركة في اليونيفيل، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا. فهذه الدول بعثت بقواتها المسلحة إلى بنان عام 2006 بناءً على تفاهمات مع المقاومة. وهي تدرك أن أي تعديل في مهمتها سيؤدي حتماً إلى تعديل التفاهمات. وجنود هذه الدول «أيديهم في النار»، ولا تملك ترف الدول التي تضع أيديها في المياه الباردة. وسبق لفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول المشاركة في القوات الدولية في الجنوب أن عانت من «سوء التفاهم» مع البيئة الشعبية والسياسية والأمنية في الجنوب، وعملت جاهدة لإرساء علاقة طبيعية مع السكان وممثليهم. وهي ترفض أي تهديد لهذه العلاقة.

رفضت روسيا وفرنسا وإيطاليا أي تعديل جوهري لمهمة اليونيفيل

المحور الثاني، قادته، بنجاح، الدبلوماسية اللبنانية، بقيادة وزير الخارجية جبران باسيل. في تواصله مع ممثلي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، استند باسيل إلى عناصر القوة اللبنانية، لرفض أي تعديل لمهمة اليونيفيل. ومن أوراق القوة، أن في مقدور لبنان سحب طلب التجديد لليونيفيل، مع ما يعنيه ذلك من إحراج لواشنطن وإسرائيل، لكونه يحوّل القوات الدولية إلى قوى غير شرعية في لبنان. كذلك يدرك باسيل حساسية الدول المشاركة في اليونيفيل تجاه أوضاع جنودها في الجنوب، فأجاد استخدام هذه الأوراق، وغيرها، للحفاظ على «تفويض» قوات الطوارئ.
المحور الثالث، هو الموقف الروسي الرافض لأي تعديل جوهري لمهمة اليونيفيل.
وفيما لوّحت الولايات المتحدة أمس بالامتناع عن التصويت على قرار التجديد لليونيفيل، قبلت فرنسا بإدخال تعديلات شكلية على مشروع القرار، مثل الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش النظر في سبل تعزيز جهود اليونيفيل من ضمن «ولايتها وقدراتها الحالية»، والطلب إليه أيضاً تقديم تقارير عن الأماكن التي تُمنع اليونيفيل من دخولها وتبيان أسباب هذا المنع. وقال السفير الإيطالي لدى الأمم المتحدة سيباستيانو كاردي، إن هذه الفقرة «لا تغيّر في صلاحيات اليونيفيل».
رغم ذلك، رحبت تل أبيب أمس، فور صدور قرار التمديد عن مجلس الأمن، بمدرجاته والتعديلات التي أضيفت إليه، وحملته ما لا يحتمل. وقال مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، إن «الإنجاز الدبلوماسي الإسرائيلي كبير، ومن شأنه أن يغير الوضع في جنوب لبنان، وأن يكشف المشروع الإرهابي لحزب الله، على الحدود مع إسرائيل».
وأضاف دانون أن قرار مجلس الأمن يدعو قوة اليونيفيل إلى اليقظة و«فتح عيونها» ويجبرها على اتخاذ إجراءات ضد تعاظم حزب الله، لافتاً إلى أن «إسرائيل ستواصل الكفاح ضد حزب الله على الساحة الدبلوماسية، والتأكد من قيام اليونيفيل بدورها في الميدان»، معرباً عن شكر خاص للولايات المتحدة في دفاعها عن مصالح إسرائيل.
وكانت إسرائيل قد ترقبت أمس، صدور تعديلات حول تفويض اليونيفيل، تختلف إلى حد بعيد في الشكل والمضمون، مع مدرجات قرار التمديد كما صدر أمس عن مجلس الأمن. مصادر في الخارجية الإسرائيلية أكدت لوسائل الإعلام العبرية، أنها تلقت طمأنات أميركية وفرنسية، تشير إلى أن مجلس الأمن سيطلب من القوة الدولية «التصرف بشدة في مواجهة حزب الله، وملاحقة سلاحه وتحرك مقاتليه في الجنوب اللبناني»، وبحسب نفس المصادر، سيرد في القرار إشارة واضحة إلى أنه لا يمكن اليونيفيل من الآن وصاعداً، التغاضي عن نشاطات حزب الله، بما فيها إخفاء الأسلحة.
وسربت إسرائيل عبر إعلامها أمس، مضمون مسودة اتفاق بين الأميركيين والفرنسيين، يتعلق بقرار التمديد لليونيفيل، جرى التوصل إليه بين الجانبين بعد أن استطاعت الإدارة الأميركية، بحسب مصادر إسرائيلية، تليين المعارضة الفرنسية. وأشارت إلى أن القرار سيتضمن أربعة أجزاء إضافية: تعزيز عديد القوة الدولية؛ وعمليات تفتيش ومراقبة أكثر عمقاً وشمولية من جانب اليونيفيل، بما في ذلك الدخول إلى المدن والقرى الجنوبية وتفتيش المنازل؛ وإصدار تقارير حول الأوضاع والحوادث دون إبطاء؛ وزيادة كمية التقارير الصادرة عن القوة إلى الجهات المعنية.
وقال مصدر دبلوماسي إسرائيلي مطلع، في حديث لصحيفة معاريف، إن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كان شريكاً في المناقشات التي دارت بين الفرنسيين والأميركيين، ومكتبه أعطى دفعاً قوياً لتغيير تفويض اليونيفيل، وبالصيغة التي تداولها الإعلام العبري أمس.
(الأخبار)