استبقت القوات اللبنانية اتخاذ حليفها التيار الوطني الحر قراره بشأن المقاعد الثلاثة في جزين (مقعدان مارونيان وواحد كاثوليكي)، التي يسيطر عليها منذ الانتخابات النيابية عام 2009. بعد البترون، نفذت القوات انفصالاً مباغتاً عن تحالف «إعلان النوايا»، علماً بأن رئيس التيار جبران باسيل كان قد لوّح بنية إعادة ملء المقاعد الثلاثة بمرشحين من برتقاليين.
عن المقعد الكاثوليكي تحديداً، وصل المرشحان المحتملان، رجل الأعمال جاد صوايا والمحامي سليم الخوري إلى النهائيات في التصويت الداخلي للعونيين باختيار مرشحيهم للنيابة. في ظل ما يرشح عن تباينات البيت البرتقالي الواحد في حسم هوية المرشحين الثلاثة (آخر تداعياتها استقالة هيئة القضاء)، وضّبت القوات أسلحة معركتها وصوبت سهامها نحو المقعد الكاثوليكي فقط. ماذا بقي من تفاهم «أوعى خيك»؟
ليس اسم حداد طارئاً على جزين أو القوات. في الانتخابات النيابية عام 2009، ترشح ابن بلدة روم ضمن لائحة «قرار جزين» إلى جانب إدمون رزق وفوزي الأسمر المحسوب على القوات، بوجه لائحتين، الأولى مدعومة من العونيين والثانية مدعومة من النائب السابق سمير عازار والرئيس نبيه بري. حصد حداد 6498 صوتاً، نالها من جميع قوى 14 آذار في القضاء، ومن تواصله المباشر مع الناس بسبب إقامته الدائمة ومن إرث عائلته (والده رئيس بلدية روم لعقود جرجي حداد وعمه مطران زحلة لعقود أندره حداد).
ليس رصيد حداد الشخصي وحده ما يعزز آمال القوات بالفوز بالمقعد الكاثوليكي في جزين. يشير منسق القوات في جزين جوزيف عازوري إلى أن اعتماد الصوت التفضيلي في قانون الانتخاب الجديد سيكون له فضل كبير. «أصوات القواتيين جميعها ستصبّ في مصلحة حداد»، يقول عازوري جازماً بأن القاعدة تلتزم قرار القيادة الرسمي. وحدة القوات تصيب التباين العوني. «الصوت التفضيلي لمرشح واحد يتوزع لدى العونيين على ثلاثة، ما يضعف حظوظ أحدهم على الأقل».
لا يعتمد القواتيون على التفضيل فحسب. في العلن والخفاء، أداروا محركاتهم وانطلقوا في كل الاتجاهات. «نحن منفتحون على كل الناس»، قال عازوري. بالنسبة إلى العونيين، ترك عازوري الباب مفتوحاً. «يمكن أن نكون وحدنا في المعركة في أي منطقة ويمكن أن نكون سوياً. هذا الأمر تقرره القيادات». قبل قرار القيادات، تلعب القوات في حديقة التيار وفي حدائق حلفائها وخصومها على السواء. صيداوياً، في الأيام الماضية، جال مسؤولو القوات على عدد من المرجعيات الصيداوية منها الجماعة الإسلامية. ماذا عن تيار المستقبل الذي أصبح حليفاً مستجداً للتيار الوطني الحر؟ «الأولوية بالنسبة إلينا التحالف مع المستقبل الذي سيكون أول الحلفاء في دائرة صيدا ــ جزين، انطلاقاً من التزامنا خط قوى 14 آذار». أما النائب السابق أسامة سعد، فهو خارج الحسابات القواتية، انطلاقاً من الماضي، وصولاً إلى الاصطفافات السياسية الحالية. أما في جزين، فقد لفت عازوري إلى تواصل مع خصم العونيين المخضرم المرشح إبراهيم عازار. لكن باستعراض الوفد الذي رافق حداد إلى الجماعة الإسلامية على سبيل المثال، يظهر قدرة قواتية على الخرق في البيت البرتقالي، مستفيدة من التباينات المستجدة (ضم الوفد رجل الأعمال فادي رومانوس نائب رئيس اتحاد بلديات جزين وسامر عون نائب رئيس بلدية جزين).
بحسب مصادر قواتية مواكبة، تحوم القوات بشكل غير مباشر حول الصوت الإسلامي في جزين وصيدا. فيما تعوّل على تحالف مع المستقبل لجذب الصوت السني، فإنها تعول على تحالف في لائحة واحدة مع عازار المحسوب على بري، الكفيل بجذب جزء من الصوت الشيعي.
بانتظار حسم «أمل» لموقفها من الدائرة، ظهر حزب الله كمقاطع منذ الآن. في خطوة لافتة، زار رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد المرشح العوني الكاثوليكي المحتمل سليم الخوري في منزله في بلدة المحاربية.
البيت القواتي لم يسلم من الاعتراضات الداخلية أيضاً. تصاعدت أصوات تحتج على اختيار المقعد الكاثوليكي فقط دون سواه من المقعدين المارونيين من جهة، وعلى اختيار حداد دون غيره من جهة أخرى. حتى داخل الصف القواتي، يأخذ البعض «على والده علاقته بالإسرائيليين خلال الاحتلال، ومع السوريين في وقت لاحق». بالنسبة إلى السوريين، المأخذ الأكبر على عمه المطران أندره حداد الذي نسج علاقات ودية مع القيادات السورية خلال وجوده في زحلة بعد مرحلة الحصار. للتذكير، فإن رئيس القوات سمير جعجع زاره عام 2009 معتذراً من تفجير الكنيسة الذي اتهمت به القوات عام 1987 وكاد يودي بحياة حداد وإيلي حبيقة وخليل الهراوي وإيلي الفرزلي. حينها نقل عن جعجع قوله لحداد: «أعتذر سيدنا عن الانفجار، ولكن أنت تعرف كيف كانت الظروف». فردّ المطران حداد: «كنت قتلتنا يا سمير». عن علاقة المطران السابق بالسوريين، علق عازوري: «لو بدنا نحاسب، لا أحد يمر من تحت الغربال سوى نحن والعونيين».