تراجعت الحماسة للمشاركة في الانتخابات في مناطق نفوذ تيار المستقبل. يتندر جزء من القاعدة الزرقاء على أيام العز عندما كان «الصوت بيسوى (يساوي) مئات أو آلاف الدولارات، وكان تيكيت (تذكرة) السفر مؤمناً لعائلات بأكملها كي تأتي من آخر الدنيا لكي تقترع وتشم الهوا». السبب ليس الأزمة المالية فحسب لدى آل الحريري الذين اشتهروا باستقدام الناخبين من الخارج، ولا سيما موظفي شركاتهم والطلاب الذين درسوا بمنحة من مؤسسة الحريري.
وفق القانون الجديد، لم يعد للصوت المغترب قدرة مؤثرة، وخاصة في ظل إمكان منح المغترب حق الاقتراع، علماً بأنه في الانتخابات النيابية عام 2009 أحصي دخول ما بين 80 إلى 90 ألف لبناني في فترة الانتخابات، بحسب إحصاءات الخبير الانتخابي كمال فغالي. والجدير ذكره أن استقدام المغتربين لم يقتصر على «المستقبل» وباقي فريق 14 آذار، بل شمل أيضاً فريق 8 آذار، في الكثير من الدوائر. إلى زحلة وحدها استقدم المتنافسون 14 ألفاً و200 مغترب، وإلى البقاع الغربي وراشيا استقدم 8 آلاف و600، وإلى دائرة بيروت الأولى 7 آلاف. أما إلى صيدا، فقد استقدم 11 ألفاً و400 ناخب من الخارج غالبيتهم الساحقة من مناصري «المستقبل» شاركوا في معركة فازت بها النائبة بهية الحريري بنحو 26 ألف صوت، والرئيس فؤاد السنيورة بـ 23 ألفاً. لكن بنود القانون الجديد، في حال تطبيقها، تشرعن انفلات المال الانتخابي من جهة وتعرقله من جهة أخرى. وبحسب مصدر معني بانتخابات «الأزرق» في البقاع، فإن القانون الجديد أرسى قواعد جديدة بدلاً من بيضة القبان المغترب، أولاها أن «سعر الصوت لم يعد يحسب بالكم، بل بالنوع. الصوت التفضيلي بات يتحكم بالسوق الانتخابي»، متوقعاً أن نسمع بأرقام خيالية تفوق خمسة آلاف دولار في زحلة، على سبيل المثال، أو في أي دائرة ستشهد معركة لوائح حامية بطلها التأهيل العددي. استقدام المغتربين للتصويت «الذي سيستنزف تكاليف باهظة، يصبح عاملاً إضافياً للأزمة داخل الحزب الواحد الذي ينافس بلائحة كاملة». من هنا، «يفضل المستقبل وإخوانه من الأحزاب، أن يركزوا على الناخبين المحليين»، علماً بأن نقل الناخبين من الخارج شرعنه هذا القانون من ضمن النفقات الانتخابية المذكورة في المادة 58، فيما لم يكن يشار إليه صراحة في القوانين السابقة ولم يكن مقيداً في السقف المالي.
ماذا عن السوق المحلي؟ حددت المادة 61 من القانون الجديد السقف المالي الأقصى الذي يجوز لكل مرشح إنفاقه اثناء فترة الحملة الانتخابية بقسم ثابت مقطوع قدره 150 مليون ليرة لبنانية وقسم متحرك مرتبط بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية الكبرى التي ينتخب فيها قدره خمسة آلاف ليرة عن كل ناخب من الناخبين المسجلين. أما سقف الإنفاق الانتخابي للائحة فهو مبلغ ثابت مقطوع قدره 150 مليون ليرة عن كل مرشح فيها. وفق المصدر، فإن المرشحين لن يلتزموا بالسقف المحدد الذي تم تخطيه في الانتخابات السابقة بطرق غير قانونية. ويشير إلى أن «القانون يحاسب المرشح نفسه، لكن ماذا لو تولى شقيقه أو أحد أقاربه دفع الرشى والتبرع وشراء الأصوات؟». وبالنظر إلى استطراد المادة 61، قد لا يحتاج المرشحون إلى التلاعب لتبرير زيادة الإنفاق، إذ تفتح الباب أمام «إعادة النظر بالسقف المالي لدى افتتاح فترة الحملة الانتخابية في ضوء الظروف الاقتصادية بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية والبلديات، وبعد استطلاع رأي هيئة الإشراف على الانتخابات».
فغالي تحدث عن فضيحة فساد مجلجلة شرعنها القانون الذي لم يقدم إصلاحات مالية، بل ضاعف قيمة المبلغ الثابت بمنحه لكل مرشح على حدة بدلاً من تقسيمه على أعضاء اللائحة. فضلاً عن زيادة المبلغ المقطوع من 4500 في القوانين السابقة إلى خمسة آلاف، يقارن بين سقف لبنان حيث هناك 4 ملايين ناخب وسقف فرنسا حيث هناك 50 مليون ناخب. في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، حدد قانون الانتخاب لكل مرشح على مستوى الجمهورية بإنفاق 16 مليوناً و800 ألف يورو في الدورة الأولى و22 مليوناً وخمسمئة ألف في الدورة الثانية. وعليه، فإن الصوت الفرنسي الواحد يكلف أقل من نصف يورو. أما لبنان، فيعطي قيمة للناخب بالمفرق وليس بالجملة. باحتساب عدد الناخبين والسقف المالي، تتراوح تكلفة الناخب في الدوائر كلها ما بين 3.6 و4.2 دولارات. في دائرة النائب وليد جنبلاط، الشوف وعاليه، التي تضم 13 مقعداً (أكبر دائرة) «يساوي» كل ناخب لدى سقف اللائحة مجتمعة 51.3 دولاراً. وفي دائرة صيدا جزين الأصغر (تضم خمسة مقاعد) تساوي كلفة الناخب 24.9 دولاراً. الفضيحة برأي فغالي تكمن في «شرعنة هدر المال والفساد في رفع السقف المالي للمرشحين كأنهم ينظمون حملاتهم كمنفردين وليس كجزء من اللائحة، علماً بأن التصويت لأي مرشح، تصويت لللائحة ككل». وفق حسابات الدولة، فإن كلفة نقل الناخبين في دائرة الشمال الثانية (المنية والضنية وطرابلس) تبلغ وحدها 12 مليون دولار و587 ألفاً لأعضاء اللائحة الأحد عشر. وفي السياق عينه، فإن الحزب الذي يخوض معركة في جميع الدوائر يصل سقف إنفاقه الإجمالي إلى 138.7 مليون دولار، أي أن القانون يسمح لأربعة أحزاب (أو تكتلات سياسية) كبرى متنافسة بإنفاق ما يزيد على نصف مليار دولار أميركي!