في الأسابيع الأخيرة، طغى النقاش حول العهد وما يدور في البلاد من توترات سياسية واقتصادية ومالية، وبدأ منسوب الانتقاد يرتفع، فيما لم يكمل رئيس الجمهورية عامه الأول في بعبدا. يحاول العهد التعامل مع كل ما يحيط به على أنه الاستثناء لا القاعدة. لذلك يسعى المحيطون بالرئيس عون إلى الكلام عن إنجازات استثنائية للعهد الذي يستعد للاحتفال بسنته الأولى على غير ما بدأها.
لكن استعادة الأشهر الماضية تعطي نظرة موضوعية إلى عهد بدأ بشبه إجماع داخلي حوله وبترحيب دولي وعربي بالحد الأدنى، وتنتهي سنته الأولى بذبذبة دولية، وبمجموعة من الانتقادات يحاول المدافعون عن العهد التقليل من أهميتها.
لا يمكن تجاهل العبارات والانتقادات التي يطلقها سياسيون عبر «تويتر» كمنصة باتت معتمدة للتعبير عمّا هو مختصر ومفيد، في حق العهد. وهذه المواقف ليست شخصية، بل تعبّر عن حالة سياسية موجودة في النقاشات في أوساط ثقافية وسياسية وروحية لم تكن يوماً على عداء مع عون كتمثيل سياسي.
ثمة حالة خاصة لا يعرفها إلا السياسيون المخضرمون، هي أن حلقات نقاش في أوساط الاكليروس المسيحي والرهبانيات والشخصيات السياسية والجامعية والمصرفية، تعبّر بدرجة كبيرة عن واقع الأوساط المسيحية. وهي لم تكن يوماً عونية أو قواتية أو تنتمي إلى المردة أو الكتائب، وكانت داعمة للمصالحة المسيحية كما لوصول عون إلى رئاسة الجمهورية بصفته الأكثر تمثيلاً.

التباعد مع القوات يؤثر على الغطاء المسيحي الذي بدأ عون عهده به

لكن الأشهر الماضية حملت سلسلة من الملاحظات:
أولاً، إن عون بدأ عهده بشبه إجماع مسيحي بعد موافقة كتلة مسيحية وازنة، أي القوات اللبنانية. حالياً لا يتمتع رئيس الجمهورية بغطاء المردة ولا الكتائب منذ ما قبل انتخابه عون. وما يحصل الآن بين التيار الوطني والقوات بدأ يؤثر سلباً بهذا الغطاء المسيحي، رغم محاولة الطرفين رأب الصدع الناتج من الخلافات المستمرة بينهما وتحييد القوات لرئيس الجمهورية. وهذا المتغير المهم في علاقة التيار والقوات وفي نظرتهما إلى المستجدات الداخلية والإقليمية، سيكون له انعكاساته على مستوى فعالية عون مسيحياً. علماً أن الجميع يسأل عما إذا كان العهد مهتماً بإغناء التيار الوطني الحر وتوسيع قاعدته المسيحية أو الحفاظ على الرئاسة في حد ذاتها وتوسيع دائرة المؤيدين لها.
ثانياً، لا يمكن بعد تعداد إنجازات للعهد. هو نفسه يقول إن الحكومة ليست حكومته. وتكفي النظرة إلى مأزق السلسلة والرواتب والانتخابات الفرعية والبطاقة البيومترية وروائح الفساد وترهل الحكومة ومشكلاتها في الكهرباء والتعيينات والتشكيلات الديبلوماسية التي لا تزال تتعرض لأوسع حملة انتقادات حول الشخصيات المعنية في الإدارة والمراكز الديبلوماسية. ولا يمكن العهد أن يتحدث عن تفعيل الإدارة، ولا عن خطط إنمائية لم نشهد بعد أي إشارة أولية لها، ولا عن أزمة السير التي تستفحل يوماً بعد آخر، وأزمة النفايات التي لم يحلها وزير البيئة المحسوب عليه. ولا يمكن العهد أن يقول إنه صاحب الإنجاز في قانون الانتخاب ولا في معركة الانتصار على «داعش».
ثالثاً، تكفي النظرة إلى صور لقاءات نيويورك وباريس للكلام عن مشكلة جدية تتصل بالحلقة القريبة من رئيس الجمهورية. وهي حلقة عائلية بامتياز. الصور المنشورة تظهر بوضوح أن عائلة عون بكل متفرعاتها هي التي تحكم حالياً. وفيما يقابل العونيون هذه الانتقادات بالتشبه بعائلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وابنته وصهره، فإنه يفترض العودة إلى أدبيات التيار الرافض للإقطاع والتوريث. وإذا كان التيار الوطني قد أصبح «ملكاً خاصاً»، فإن رئاسة الجمهورية ليست كذلك، والعهد الذي يبني ركائزه على رئيس الظل وعلى مجموعة عائلية من المستشارين، ليس عهداً صحياً. فكيف ونحن نرى طريقة اختيار الوزراء أو التعيينات الإدارية، كما اختيار المرشحين للنيابة. وميزة هؤلاء قربهم المباشر من الحلقة العائلية الضيقة.
رابعاً، خارجياً، بدأ العهد بزيارة السعودية، لكنه ينهي سنته الأولى بزيارة إيران. ومشكلة خصوم الجنرال مع هذه الزيارة أنها تأتي في لحظة حساسة ودقيقة تستكمل خطاب عون ووزير خارجيته تجاه سوريا وإيران. وبرغم علم الجميع بالمنحى السياسي لعون منذ عودته من باريس عام 2005، فإن من ينتقده اليوم يربط الموقف بكون عون صار رئيساً للجمهورية وليس رئيساً للتيار أو تكتله النيابي. مع الإشارة هنا، إلى مضاعفات هذا الموقف داخلياً.
يمكن القول بأن واحدة من سلبيات العهد، ترتبط بعدم تحمله أي انتقاد، لا في ملفات الفساد ولا الهدر ولا المحسوبيات ولا أي أمر آخر. وهو لا يتحمل أي ملاحظات يبديها سياسيون أو مواطنون. الأكيد أن في العهد اليوم الكثير من الفوقية، والأكيد أن هناك ما هو مطلوب: القليل من التواضع.