في مجالسه الخاصة، يشبّه رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع علاقة حزبه بحزب الكتائب بالعلاقة بين قنفذين: إذا اقترب أحدهما من الآخر كثيراً فسيجرحان نفسيهما بالشوك، وإذا تباعدا برَدا. والحلّ، بالنسبة اليه، الحفاظ على علاقة جيدة، شرط أن يبقيا على مسافة معينة بينهما كي لا يذوب أحدهما في الآخر.
الاستدعاء السعودي لقائدي الحزبين، سمير جعجع والنائب سامي الجميل، الى الرياض يؤكد كلام رئيس القوات، إذ عاد الكلام عن احتمال عودة المياه الى مجاريها بينهما، الأمر الذي قد ينعكس إيجاباً على التحالفات الانتخابية المقبلة، بعدما كان خوضهما المعركة ضمن لوائح مشتركة يبدو من سابع المستحيلات، إثر رفض الجميّل المشاركة في الحكومة ومحاولته اللعب على وتر المجتمع المدني. مصادر في المكتب السياسي الكتائبي أكدت لـ«الأخبار» أن زيارة الجميّل السعودية قضت على أيّ أمل بالتعاون مع «المجتمع المدني» في مختلف الأقضية، لكون الأخير يحاول الابتعاد عن سياسة «المحاور»، وبالتالي، بات الشيخ مجبراً على البحث عن حليف آخر.
ويشدد خبير انتخابي أن «لا مصلحة للكتائب في التغريد منفرداً، إذ يصعب عليه فعلياً الفوز بمقعد واحد سوى في المتن الشمالي، لذلك أيّ تحالف مفترض مع القوات سيفيدهم في بضعة أقضية كما سيفيد القوات أيضاً. الفائدة هنا متبادلة».

في الأشرفية
وزحلة يتداخل
جمهورا الحزبين بشكل عفوي وأي افتراق انتخابي سينعكس عليهما سلباً

البداية من دائرة الشمال الأولى (البترون/ زغرتا/ الكورة/ بشري) حيث «سينعكس أي تعاون انتخابي بين الحزبين إيجاباً على القوات اللبنانية، إذ يرتفع الربح من 2.6 مقعد الى ما يقارب 3 مقاعد في الدائرة ككل»، فيما سيتمكن الكتائب، بمساندة القوات، من تأمين الحاصل الانتخابي الذي لا يمكن لبكفيا الحصول عليه بمفردها، رغم أنه «يصعب على مرشح الكتائب في البترون الفوز بالمقعد الماروني ما لم ينل أصواتاً تفضيلية من خارج الكتائب، لا سيما أنه الحلقة الأضعف بين المرشحين جبران باسيل وبطرس حرب وفادي سعد». ومن الشمال الثانية الى كسروان وجبيل، يتعزز الربح بمقعدين في حال نجاح التحالف بين الكتائب والقوات، حيث يمكن لمعراب ضمان إنجاح مرشحها رئيس البلدية السابق زياد حواط في جبيل مقابل الاتفاق على مرشح وسطي مشترك في كسروان لإعطائه أصوات الحزبين التفضيلية. وفي المتن الشمالي، مقعد النائب سامي الجميّل «شبه مضمون ويمكن للقوات تالياً الاستفادة من فائض الاصوات الكتائبية للفوز بمقعد لمرشحها، شرط أن تعمد الى تبنّي مرشح واحد فقط لا عدة مرشحين». أما في المتن الجنوبي، فللتحالف تأثيره الإيجابي على كل من جعجع والجميّل، إذ تحتاج القوات في بعبدا إلى أصوات الكتائب الاضافية لبلوغ الحاصل الانتخابي وإنجاح مرشحها، خصوصاً أن لا مرشح فعلياً للقوات في هذا القضاء. وهنا، سيستفيد الجميّل من مقايضة أصوات بعبدا بأصوات القوات في عاليه لتثبيت رجله على مقعد عاليه الأرثوذكسي الذي يشغله اليوم النائب فادي الهبر، خصوصاً أنه لا وجه أرثوذكسياً جدّياً للقوات هناك، ومن شأن اتفاق مماثل أن يريح الحزب الاشتراكي المقرّب من الحزبين.
يرى المطّلعون على الزيارة المتزامنة للسعودية أن أحد أهدافها تبريد الأجواء الملتهبة بين الجميّل وجعجع، رغبة في إعادة شدّ العصب الآذاري. وفي حال لم يتطور الأمر الى تحالف انتخابي لاختلاف أجندة الحزبين السياسية، فإن أي افتراق سيحدث أزمة في قاعدتيهما ستنعكس سلباً على أرض الواقع؛ ففي الأشرفية مثلاً يصعب الفصل بين جمهوري الطرفين، لا سيما أن عدداً كبيراً من الناخبين القوات يصوّتون لابن بشير الجميّل النائب نديم الجميّل. وهو يرى نفسه على خط واحد مع مبادئ القوات، لذلك التحالف هنا أكثر من ضروري للمّ شمل القاعدة الكتائبية القواتية المشتركة وكل الذين يدورون في فلك 14 آذار، ما يسمح للحزبين بالفوز بمقعدين اثنين: واحد لمرشح القوات عن المقعد الأرثوذكسي عماد واكيم وآخر لمرشح الكتائب عن المقعد الماروني نديم الجميّل. الأمر ذاته ينطبق على زحلة حيث يشير المطّلعون الى أن نسبة كبيرة تتجاوز خمسين في المئة من مسؤولي القوات اللبنانية كانوا إما مسؤولين سابقين في الكتائب أو ينحدرون من عائلات كتائبية. وعدد كبير منهم ينظر الى مرشح الكتائب النائب إيلي ماروني على أنه واحد منهم، وكان إلى جانبهم في فترة التسعينيات. وفعلياً، وضع ماروني اليوم على المحك في غياب لائحة يترشح ضمنها، فيما لا قدرة عملياً لحزبه على تأمين الحاصل الانتخابي، وهو ما يستدعي تعاوناً مع حزب سياسي آخر، وخصوصاً القوات اللبنانية. في ما عدا ذلك، تجمع مصادر الحزبين على أن تفاهمها معاً، ولو في الحدّ الأدنى، سينعش مناصري ما كان يسمّى قوى 14 آذار في زحلة ومختلف الدوائر؛ فالكتائب والقوات لطالما شكلا العمود الفقري لهذا الفريق، واستطاعا صبّ أصواته في اتجاه واحد. هؤلاء، في حال عدم حصول الاتفاق، سيقسّمون أصواتهم على عدة لوائح بحيث لا يعودون مؤثرين في مصير أو نسبة نجاح أيّ لائحة. لذلك، استبشر مسؤولو الطرفين خيراً بالزيارة السعودية المتزامنة لقائديهما، فربما تعيد الرياض اليهم زمن 2005 و2009 «الجميل».