يصح في لقاء الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري والنائب وليد جنبلاط في كليمنصو انه تحضير للزيارة المتوقعة لجنبلاط والحريري تباعاً للرياض، استكمالاً لسلسلة دعوات رسمية الى هناك تشمل قيادات وشخصيات اخرى بعد رئيس حزب الكتائب سامي الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وقد يصح انها في صلب التحوط من تداعيات حملات الاتهامات والتشهير المتبادلة والمباشرة بين السعودية وحزب الله، الآخذة في تصعيد بلا سقف حتى الآن، وتجنيب الاستقرار الداخلي التأثر بها.
يصح انها خطوة اولى على طريق استعداد الاقطاب الثلاثة لخوض انتخابات 2018 بعد تزايد اشارات ايجابية مشجعة على انها واقعة في موعدها. وهم في الواقع يحتاجون الى هذا الاستحقاق في سبيل تصويب توازن سياسي داخلي ناجم عن تسوية انتخاب الرئيس ميشال عون، وقد ذهب اليها كل منهم على طريقته: ترأس برّي الجلسة فلم يقاطعها ولم يقترع وكتلته للرئيس الجديد، وذهب اليها الحريري على مضض كطريق مثلى ووحيدة تعيده الى السرايا وتعيد اليه قدراته، وذهب اليها جنبلاط لأن الآخرين جميعاً مشوا فيها ولأن حزب الله يريد عون بالذات رئيساً للجمهورية.
تصح ايضاً تفسيرات اخرى محتملة. لكن ما يصح في عشاء كليمنصو، النادر الحصول اذ يجمع هؤلاء بالذات في لقاء واحد وحول جدول اعمال مشترك، ان بري والحريري وجنبلاط يتمسكون باستمرار التسوية السياسية تلك، لسنة خلت، على انها هي الضامن الفعلي للاستقرار الداخلي وسط العواصف الاقليمية.

يذكّر لقاء كليمنصو
بآخر مماثل عام 2001 عُقِد رداً على إعلان «لقاء قرنة شهوان»
الا ان الزعماء الثلاثة هم اكثر المتضررين من الطريقة التي ادير بها الحكم ولا يزال في الاشهر المنصرمة من عمره، من غير ان يخفوا ــــ واحداً بعد آخر ــــ امتعاضهم وتحفظهم عن هذا الواقع، ولكل منهم اكثر من سبب للخلاف اما مع رئيس الجمهورية او مع بعض المحيطين به.
ومع ان رئيس مجلس النواب اقل الثلاثة تعرّضاً للسهام، بازاء ما يواجهه الحريري من طائفته خصوصاً من اتهام بالتراخي والتخلي مرة عن دوره واخرى عن الشراكة في الحكم كرئيس للحكومة، او ما يساق الى جنبلاط انكفاؤه كما لو انه بكّر في تقاعده السياسي مكتفياً بنافذة «تويتر» وسيلة وحيدة للتواصل مع الاحداث، الا ان لقاء كليمنصو ــــ من حيث رمى او لم يرمِ ــــ فتح باباً على مقاربة مختلفة للمرحلة المقبلة تبعاً لبضعة معطيات، منها:
1 ــــ تأكيد توافق الاقطاب الثلاثة مع ما اتى على ذكره اخيراً الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من ان اي مسّ بالتسوية السياسية من شأنه تقويض الاستقرار. الا ان ذلك يعني ايضاً التوافق على ضرورة تفادي الانخراط في لعبة المواجهة السياسية والاعلامية بين الرياض وحزب الله، او الدخول طرفاً في تسعيرها على غرار حملات مشابهة غالباً ما توسلها الحريري وحلفاؤه في كل مرة هاجم حزب الله السعودية بعنف، او على نحو ردود الفعل الاخيرة الناجمة عن تصريحات الوزير السعودي ثامر السبهان ثم تغريداته العنيفة ايضاً ضد حزب الله. لم يعد ثمة مكان للوسطاء المحليين في تغذية النزاع السعودي ــــ الايراني بعدما مدّت المملكة والحزب جسر المواجهة العلنية والمباشرة.
2 ــــ يذكّر لقاء كليمنصو الاحد بآخر مماثل سبقه قبل 16 عاماً، جمع بري وجنبلاط والرئيس الراحل رفيق الحريري رداً على اعلان «لقاء قرنة شهوان» في نيسان 2001. حينذاك توخى اللقاء الثلاثي تبريد الخلاف بين الحريري وجنبلاط مع دمشق في مقابل الدخول في مواجهة مع عهد الرئيس اميل لحود، وكان الزعماء الثلاثة اضحوا في المقلب المناقض له. على نحو قد يكون مشابهاً في دلالته اكثر منه مضمونه، وأحد مغازي لقاء الاحد المنصرم، تبريد الخلاف بين الحريري وحزب الله بازاء مواجهة محسوبة مع العهد على نحو يؤدي الى تصويب ادارة الحكم بتوازن افضل. يكفي ان يكون رئيس المجلس حاضراً كي يتيقن الشريكان الآخران من ان ملائكة حزب الله حاضرة ايضاً، ويكفي ان يبدي جنبلاط اصراراً تلو آخر على مراضاة الحزب ومجاراته وعدم الاشتباك مع رئيس الجمهورية، كي ينجدا الحريري للخروج من مأزق تأثره بصراع السعودية مع الحزب. في اجتماع يقف زعيما الشيعة والدروز الى جانبه ــــ هو زعيم السنّة ــــ كي يضفيا عليه ما يشبه الاجماع الاسلامي، في وسع رئيس الحكومة اظهار مزيد من التمسك بالتسوية السياسية والتخلص من الضغوط التي تمارس عليه للتنصل منها، او في احسن الاحوال تعريضها للاهتزاز. بالتأكيد اولاً انه لا يزال حليفاً للمملكة، وإن لم تعد هي تبصره حليفها الوحيد. وبالتأكيد ثانياً انه لا يكف عن التشبث بربط نزاع ــــ وإن ظاهري وهامشي ــــ مع حزب الله من غير ان يتسبب في ان تنفجر حكومته من الداخل ــــ وهو ما لا يريده او يفكر فيه حتى ــــ او يشتبك مع رئيس الجمهورية الذي لا يحتاج الى مَن يمتحنه في المفاضلة بين تحالفه مع حزب الله وتحالفه مع سواه. لكن ما هو بالتأكيد ثالثاً ــــ وقد يكون مثار شكوى بري وجنبلاط في آن ــــ ان الحريري يدير بالتفاهم مع الوزير جبران باسيل من خلال واسطة العقد ابن عمته نادر الحريري الطريقة المشكو منها في ادارة الحكم في تقاسم الحصص والتعيينات والتلزيمات.