في دائرة كسروان ــ جبيل، مقعد شيعي واحد في «بَحرِ» المقاعد المارونية السبعة. وهناك كتلة مؤلفة من 18246 ناخباً شيعياً في المحافظة المُستحدثة، كانت قبل أشهر قليلة تُقلق راحة فريق 14 آذار، لقدرتها على ترجيح دفّة لائحة على حساب لائحة أخرى، في ظلّ القانون الأكثري. تغيرت المعطيات بعد اعتماد النسبية مع نظام الصوت التفضيلي، حتّى تكاد تكون أهميّة تأثير «الصوت الشيعي» في جبيل قد تراجعت إلى حدودها القصوى، وغابت معها مشكلة سياسية كانت تستفيد منها قوى 14 آذار لمحاولة نسف شرعية التيار الوطني الحر التمثيلية.أدّت الكتلة الشيعية الناخبة قسطها للعُلى، وبعدما انتفت إمكانية تأمينها فائضاً للائحة التي تتحالف معها، بات هدف هذه الكتلة الأول ضمان تجيير العدد الأكبر من أصواتها التفضيلية للمُرشح المدعوم من الفريق الأقوى: حزب الله وحركة أمل. إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ المقعد الشيعي هو الأضعف. في ظلّ التنافس الحادّ بين المرشحين الموارنة، ووجود كتلة شيعية متراصة، سيحل المُرشح الشيعي في المراتب الأولى لناحية نسبة الأصوات التفضيلية التي سينالها.

لذلك، من المستبعد أن يكون هناك خرق من قبل الفريق المناوئ لحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر.
يُمثل الشيعة في جبيل نائب تكتل التغيير والإصلاح عباس هاشم، الذي كان يُسميه التيار العوني، وبموافقة حزب الله.
تنتشر في الشارع الجُبيلي، وبين السياسيين، معلومات عن الاتجاه إلى استبدال هاشم بمُرشح آخر، «إلا إذا كانت هناك مفاجآت». الأسباب عديدة، أهمّها «غيابه الشعبي والخدماتي والسياسي ولا سيّما في البلدات الشيعية». تعتقد المصادر أنّ هاشم لم يولِ أهمية كبيرة لدائرته الانتخابية، «أولاً، لأنه كان يُدرك غياب بديلٍ يُنافسه. ثانياً، قدراته المادية. وثالثاً، عدم صبّ حزب الله وحركة أمل اهتمامهما على جبيل، وتجيير المقعد لحليفهما العوني». وبحسب المعلومات، «اختلف الوضع حالياً، حيث من الممكن أن يسعى حزب الله إلى ضمّ مقعد جبيل إلى كتلته لتعويض ما قد يخسره في دوائر أخرى».

قد يسعى حزب الله إلى ضمّ مقعد جبيل لتعويض ما سيخسره في دوائر أخرى
يُفضل الأخير، الذي يقوم بواجبات اجتماعيّة شبه يومية في جبيل، عدم التعليق على ما تقدّم، فهو ينتظر نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه التيار الوطني الحر. مُقربون منه يؤكدون أنّه، حتى الساعة، مُرشح للانتخابات مع التيار الوطني الحر. ومن نقاط قوته، بنظرهم، «قدرته على استقطاب نسبة كبيرة من الأصوات المسيحية»، علماً بأنّه في دورة 2009، نال هاشم 48.1% لدى الموارنة، مُقابل 48.9% للمُرشح مصطفى الحسيني.
الناس تعبت، تقول فاعليات جبيلية، وهموم المواطنين هي نفسها في مختلف المناطق. لا غُبار حول الولاء للمقاومة والمشروع السياسي الذي تتبناه، «ولكن يُطالبون بالتنمية، والاهتمام بحاجاتهم، وتوفير مقومات الحياة». وما كان الأهالي «يعتبرونه هدية، كتأمين المياه والكهرباء، باتوا يُدركون أنّه حقهم». لذلك، يجب أن «يُقدَّم لهم مشروع سياسي بديل يكون على قدر توقعاتهم».
أسماء المرشحين أو الراغبين في الترشح عن المقعد الشيعي في جبيل نفسها كثيرة. هناك مصطفى الحسيني، الذي نال في الدورة الماضية 7.3% من المقترعين الشيعة. كما يبرز المحامي حسين همدر، والموظف السابق في كازينو لبنان حكمت الحاج، والتاجر دياب كنعان الذي سرت معلومات أنّ «النائب سيمون أبي رميا يُحاول تزكيته، ولكن لا يبدو أنّ حظوظه مرتفعة لدى حزب الله». وهناك أيضاً الطبيب محمد حيدر أحمد، ومشهور حيدر. أما الطبيب محمود عواد، المحسوب على تيار المستقبل، «فلا يُبدي حماسة للترشح هذه المرّة». وانتشر أيضاً اسما الصحافيين مصطفى فحص وعلي الأمين، كمرشحين محتملين على لائحة القوات اللبنانية، ولكن لم يكن الطرح جدياً، وقد نفى فحص خبر ترشحه عبر صفحته على «فايسبوك».
صحيح أنّ النسبة التي يحصل عليها الحسيني في الانتخابات لا تصل إلى حدود الـ 10%، ولكنّه «الأول» (نال 40.7% من مجموع عدد المقترعين، و7.3% لدى الشيعة)، بعد مُرشح تحالف 8 آذار و«التيار». يقول لـ«الأخبار» إنّه لن يتوانى عن الترّشح «طالما أنّ الظروف تُناسبني. كما أنّنا الوحيدون الذين لدينا حظوظ للفوز، لأننا قادرون على استقطاب أصوات مسيحية». في هذا الإطار، يستفزه «وجود موارنة يسألونني إن كان بإمكانهم الاقتراع لي. هذا شيء خطير أن يُسوَّق للناس وكأنه يجب إعطاء الصوت التفضيلي طائفياً».
يُقدّم الحسيني نفسه للجُبيليين والكسروانيين حاملاً مشروعين، الأول «إنشاء صندوق تعاضد اجتماعي. والثاني إنمائي له علاقة بالزراعة». أما سياسياً، «فنحن بيت الحسيني. اسمنا المشروع السياسي». لم يحسم الحسيني تحالفاته الانتخابية، ولكنه يشرح وجود «لائحة نرتاح معها، هي التي تحظى بموافقة البيئة الشيعية. ولائحة تُشكل لنا إحراجاً، بسبب طبيعة المُرشحين وخطابهم. ولائحة تُسبب لنا مُشكلة، هي التي تضم القوات اللبنانية. الشيعة لا ينتخبون القوات». ويكشف عن وجود «حوار جدّي، للمرّة الأولى، بين مختلف المكونات الشيعية، الحزبية والعائلية، من أجل توحيد الرؤية وتحسين تمثيل المنطقة والطائفة». لا يتخذ الحسيني موقفاً سلبياً من أي من القوى (باستثناء القوات)، حتى حزب الله، «فنحن المقاومة انطلقت من منزلنا. ولكن لا أقبل أن يُحولنا أحد إلى حزب سوريا أو إيران أو السعودية». ماذا لو قرّر حزب الله ترشيح شخص حزبي؟ «ماذا ستكون ردّة فعل كسروان؟ لا يُمكن أن نُقارب جبيل وحدها بعد اليوم»، يقول الحسيني.
يُحكى في جبيل عن وجود ثلاثة خيارات لدى حزب الله، الذي تصله شكاوى الناخبين من هاشم. الأول، ترشيح شخص حزبي. هذا الطرح بحاجة إلى توافر عوامل عدّة، كقدرة المرشح على استقطاب أصوات من خارج بيئته، وسهولة تسويقه في الدائرة. الخيار الثاني، دعم مُرشح جديد يُسميه «التيار». أما الخيار الثالث، فهو السير بهاشم لدورة ثالثة. يرفض مسؤول العلاقات العامة في منطقة جبل لبنان والشمال في حزب الله حسن المقداد، الإجابة عن أي سؤال انتخابي لأنّ «الحديث في الانتخابات والمرشحين والتحالفات، وتقييم النواب، يُبتّ لدى (مجلس) الشورى الموقّرة، ونتعاون فيه مع التيار الوطني الحر وكل الحلفاء، ويصدر عن المنسق العام للانتخابات، نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم». جُلّ ما يُمكنه قوله، انّ حزب الله في المنطقة الخامسة «يقوم بإعداد الدراسات والتوصيات، واستبيان واقع الأرض، لرفعها إلى القيادة».
بالنسبة إلى «إشكالية» ترشيح حزبي في جبيل، يعتبر المقداد أنّه إذا وُجدت موانع، فيكون ذلك نابعاً «من رفض للمشروع السياسي ككلّ وخطاب الفريق الآخر، وفي إطار تعميق الخلاف». ولكن، ألا ينطبق على حزب الله ما تُعانيه القوات اللبنانية، لجهة العجز عن ترشيح مُلتزم حزبياً؟ يردّ المقداد بأنّ «وضع حزب الله عند الشيعة لا يُشبه نظرة المسيحيين للقوات. لا توجد صورة سلبية لحزب الله، ومكاتبنا تُقصد من مواطنين ينتمون إلى مختلف القوى السياسية والطائفية».