من المنتظر أن يصدر المجلس العدلي اليوم، برئاسة القاضي جان فهد، قراره النهائي بحقّ البطل حبيب الشرتوني، في قضية اغتيال بشير الجميّل، الرئيس الأسبق للجمهورية اللبنانية، الذي وصل إلى سدّة الرئاسة بفعل الاجتياح الإسرائيلي المدمّر للبنان، وعلى أنقاض بيوت اللبنانيين والفلسطينيين وجثثهم في عام 1982.
ومن المضحك المبكي أن يعيد القضاء اللبناني أصلاً، في عهد الرئيس ميشال عون، البحث في هذه القضيّة، ومحاكمة الشرتوني، بعد مرور أكثر من 35 عاماً على الحدث، وبعد اتفاق الطائف الذي قلب صفحة الحرب الأهلية وجرائمها، وبعد صدور أحكام عفوٍ بعد الطائف وبعد عام 2005، وفي ظلّ أحكام مخفّفة لعملاء العدو الإسرائيلي. وكأن المطلوب محاكمة مرحلة لا شخص، لأن الشرتوني لم يقم بفعله بدافع شخصي أو فردي، ولم يقتل «رئيس جمهورية» فقط، بل رئيس ميليشيا أسهمت في التخطيط والتنفيذ مع جيش العدو لاحتلال بيروت، وهذا موثّق في الصور والكتب والتاريخ، وفي الفيلم الوثائقي الذي سوّقته عائلة الجميّل نفسها. الشرتوني عبّر عن نهج اسمه مقاومة العدوّ الإسرائيلي وعملائه ومحاولات تقسيم لبنان، في مقابل نهج اسمه التعامل مع إسرائيل، لأجل مكاسب سياسية تنتهي بتقسيم لبنان إلى دويلات طائفية ومذهبية.

ألا يسمع وزير الإعلام وسائل إعلامية تطالب بالعفو عن عملاء لحد؟

والمؤلم أكثر أن تكون تضحيات الآلاف من اللبنانيين الشهداء، الذين واجهوا الاحتلال، وعذابات الآلاف أيضاً ممن قضوا على أيدي ميليشيات الجميّل وسعد حدّاد وقتها، وتكرّست التضحيات في طرد العدو الإسرائيلي من بيروت ومن الجبل وصور، ثمّ من كامل الجنوب، قد ذهبت سدىً أمام القضاء اللبناني، فيحاكم الشرتوني انتقاماً من فعله المقاوم، ويظهر الجميّل كمغدور به، بدل أن تكون الآية مقلوبة، فيحاكم نهج العمالة، الذي يبدو أن البعض لا يخجل بأن يجاهر به، ما دامت العمالة وجهة نظر.
ومع أن المتباهين بالعمالة يملأون الفضاء الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي صراخاً وتشفّياً من محاكمة الشرتوني، وبعضهم أصدر حكمه قبل أن يصدره القضاء، ويطالب في الوقت نفسه بالعفو عن عملاء إسرائيل من بقايا جيش لحد، ويدافع عنهم على المنابر، انبرى عددٌ من وسائل الإعلام أمس وحزبا الكتائب اللبنانية والقوات للهجوم على «الأخبار» بسبب نشرها مقابلة مع الشرتوني. وإذا كان صراخ بعض هؤلاء مفهوماً، لحسابات انتخابية وتنافسية، فإن ما لم يُفهم معناه هو قول وزير الإعلام ملحم الرياشي إنه تحدّث مع وزير العدل سليم جريصاتي حول مقابلة «الأخبار» مع «قاتل الرئيس الشهيد بشير الجميل»، وهو «أخذ على عاتقه إجراء المقتضى». ما هو المقتضى؟ محاكمة «الأخبار» على نشر مقابلة؟ هل نطق الرياشي ما قاله كوزير للإعلام أم كناطق باسم حزب القوات اللبنانية؟ ألا يسمع وزير الإعلام وسائل إعلامية تطالب بالعفو عن عملاء لحد؟ ألم يكن يسمع، إلى قبل فترة قصيرة، وسائل إعلام لبنانية تدافع عن «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» الإرهابي؟ أليس من حقّ «الأخبار» أن تنشر مقابلة مع رمز من رموز المقاومة ضد العدو الإسرائيلي يحاكم محاكمة سياسية، بينما تُفتح المنابر أمام جماعة المطالبة بـ«السلام» مع إسرائيل، وهي تخرق يوميّاً السيادة اللبنانية في البر والبحر والجو؟
«المقتضى» يا معالي وزير الإعلام أن توضع قضيّة الشرتوني، لأنها هي القضية، إلى جانب ملفّات الحرب الأهلية المطمورة، أو أن تفتح ملفّات الحرب من جديد، وليحاكم الجميع على ماضيهم، أو أن يخجل المهلّلون للعمالة من نبش ملفّات الماضي، لأنها تدينهم ويحاكمون عليها، وبعضهم قد يحاكم... على حاضره أيضاً.