ليس أمام مطلوبي عين الحلوة سوى الرحيل. الخروج من المخيم بات خيارهم الوحيد بعدما سُدّت في وجههم سُبُل التسوية. أما وجهتهم المنشودة، فبين إدلب وتركيا، إذ لم يعد الأفق مفتوحاً أمام حَمَلة مشروع هُزِم في العراق ويكاد يسقط في سوريا. الربيع السلفي استحال خريفاً اليوم، لتتساقط أوراق المشروع الذي هدَفَ إلى سيطرة الجماعات الجهادية على المنطقة.
يُدرِكُ مطلوبو عين الحلوة جيداً أنّه لم يعد هناك خطٌّ أحمر يحميهم. حتى ورقة استخدامهم في الداخل كـ «صاعق تفجير» باتت برسم البيع، ولا سيما بعد إنجاز المصالحة بين حركتي فتح وحماس. وعلمت «الأخبار» أنّ الرئيس نبيه بري، ممثلاً بأعضاء في المكتب السياسي في حركة أمل، رعى حواراً أيضاً، على صعيد ساحة لبنان، بين فتح وحماس لطيّ صفحة الماضي داخل المخيمات الفلسطينية. وكان واضحاً بشأن النأي بمخيم عين الحلوة عن التجاذبات الأمنية عبر إخراج المجموعات المتشددة. هذا على المستوى السياسي. أما على الصعيد الأمني، فكشفت مصادر أمنية أنّ إحدى الدول المؤثرة في لبنان، التي سبق أن لعبت دوراً أساسياً بتأجيج الوضع الأمني في عين الحلوة، أبلغت أفراداً يشغّلون خلايا أمنية بأنّ المرحلة الحالية تقتضي وقف أي نشاط أمني بعد تبدّل الأولويات.

ورقة استخدام الجماعات المتشددة كـ«صاعق تفجير»
باتت برسم البيع


هذا على مستوى الجهات المشغّلة. أما ميدانياً، فتتعدد الأسباب الموجبة لدى هؤلاء للبحث عن مشروع بديل أو فرصة نجاة، ولا سيما أنّ هناك سباقاً محموماً بين عدد من المطلوبين داخل المخيم لاستغلال تنظيم «الدولة الإسلامية» طمعاً بالمال. من بين هؤلاء، كان المطلوب فادي علي أحمد الذي اشتُهر بلقب «أبو خطاب المصري». إذ تكشف المصادر أنّ هذا الشاب تمكن من إقناع ضابط الارتباط المسؤول عن الساحة اللبنانية أنّ بمقدوره تنفيذ عدة تفجيرات انتحارية في يوم واحد. ونجح في قبض مبلغ ٣٠ ألف دولار من تنظيم «الدولة» لقاء عملية لم ينفّذها. حال «أبو خطاب» تنسحب على من اتُّهم بأنه «أمير الدولة» في المخيم عماد ياسين الملقب بـ«أبو هشام». فقد سعى الأخير إلى تقديم أوراق اعتماده لدى التنظيم طمعاً بالحصول على دعم مالي، بعدما كانت تُثقل كاهله الديون. فتح خطوط تواصل، زاعماً خلال محادثاته الافتراضية أنّ بمقدوره «زلزلة» لبنان، قبل أن يسحبه عناصر الاستخبارات من أمام منزله في عملية أمنية استثنائية. هذه عينة لا تُلغي أنّ هناك من يسعى إلى تنفيذ عمليات أمنية في الداخل اللبناني، لكنها تكشف عن حال من اليأس وصل إليها المطلوبون بعدما باتت تتضاءل أمامهم الفرص. من هذه الفرص، كانت صفقة التبادل مع تنظيم جبهة النصرة بعد معركة جرود عرسال، التي كاد يُضاف إليها بند إخراج مطلوبي عين الحلوة. أُجهِضت الفرصة ليبدأ البحث عن فرص بديلة. ويرى المطلوبون داخل المخيم أنّه لم يبق سوى ثلاثة خيارات أمامهم: الأول تسوية ملفات قسم كبير من المطلوبين مع وعد بعفوٍ عام يرونه يلوح في الأفق على أبواب الانتخابات النيابية. ثانياً صفقة تبادل تنجزها جبهة النصرة جراء إمساكها بورقة ضغط تجبر جراءها الدولة اللبنانية على الموافقة على إخراج المطلوبين مع ضمانات. فيما الاحتمال الأخير هو التسلل خارج المخيم لمغادرة لبنان بحراً بالطريقة نفسها التي غادر فيها «أبو خطاب». لكن، على الرغم من وجود مطلوبين يسعون إلى الخروج إلى إدلب، مع تعهّد حتى بعدم الاشتراك في القتال الدائر بين الفصائل في سوريا. في المقابل، رأي قاطع لعدد آخر من نزلاء المخيم رفضاً للانتقال إلى إدلب، باعتبار أنّ الرياح تغيّرت والمركب قد يغرق إذا ما اتّفقت الدول على حسم معركة معقل المعارضة المسلحة الأخير. وينتظر هؤلاء تسوية ما أو فرصة للهرب إلى تركيا.