لا جِدال في أن داءً مُزمناً ينخر علاقة التيار الوطني الحرّ بالقوات اللبنانية، وقد صارَ مُتعذّراً معالجته. ثبّت تحالف معراب ــــ الرابية أن التاريخ الذي قام على منطق الإقصاء بين الطرفين لا يمحوه اتفاق، وأن أي تفاهم لن يفلح في تغيير نظرة كل منهما إلى المسائل الاستراتيجية والتكتيكية.
بل إن الخلاف حولها تعمّق منذ اللحظة الأولى لانتخاب ميشال عون، وتحوّلت ذكرى انتخابه الأولى، إلى الذكرى السنوية الأولى لنهاية «تفاهم معراب». فبعد سنة مما أراده الطرفان شراكة، بدا أن تفاهمهما لم يتخطَّ صندوق الاقتراع يوم انتخاب عون رئيساً.
سريعاً سقطت ورقة التوت عن إعلان النيات. وفيما كان الطرفان يصحوان وينامان على المُصالحة المسيحية، ظهرت فوارق يصعُب حصرها، لعلّ أهمها موقف عون من المقاومة وحزب الله. منذ انتخابه رئيساً، وهو انتخاب يدّعي القواتيون أنه «صناعتهم»، انتظرت معراب انتصار أكبر رهاناتها، وهو دقّ إسفين الخلاف بين الرابية وحارة حريك. لكن ما انتظرته كان أول الرهانات الخاسرة، بعدما اصطدمت بتشدّد عوني أكبر لمصلحة المقاومة وسلاحها، والتعبير عن ذلك في المحافل الدولية قبل الداخل اللبناني. ببساطة، كانت هذه المواقف أكثر المحطات التي عدّها القواتيون «مغامرة بالشراكة المسيحية»، قبل أن تكرّ سبحة الامتحانات في ملفات حكومية جعلت عين معراب تحمر أكثر وأكثر، وتعتبر أنها تتعرض لحرب إلغاء سياسية. فكانت النتيجة الوحيدة لهذا التحالف عملياً «تحقيق العونيين أمنية استمرت ربع قرن، وتخلي القوات عن تحميلها وزر عدم وصول المنقذ إلى الرئاسة، الأمر الذي كان سيخلّد في الوجدان المسيحي حتى بعد مئة عام»، فيما سقطت باقي الأهداف.

القوات: حظوظ
عون في الوصول إلى بعبدا كانت معدومة لولا جعجع

تستغل القوات مرور عام على العهد لتنفض يدها منه، مهددة باستقالة وزرائها من الحكومة. وخلف عبارة «أوعى خيّك» التي تبدو فولكلوراً أكثر منها مساراً سياسياً، وبعيداً عن الكاميرات، يُفصح مسؤولون قواتيون كثر عن حقيقة نظرتهم إلى العهد: «وصول عون إلى قصر بعبدا أظهره رئيساً عادياً، لا بل أقل من عادي. هو رئيس إدارة أزمة لم يبدّل في الواقع السياسي والإداري والإصلاحي والتغييري شيئاً»!
لا يزال في القوات والتيار من هو هادئ في تفكيره، وناكر للواقع، كالنائب إبراهيم كنعان والوزير ملحم رياشي، عرّابا «ورقة النيات». لا يبدّد ذلك خوف معراب التي دخلت على خط الرئاسة، داعمةً ترشيح العماد عون، ظناً منها أنه سيهديها نصف البلد ونصف القرار الرئاسي ونصف حصة المسيحيين في الحكومة والإدارات، ونصف رغيف الخبز. لكن سرعان ما تهاوى هذا الأمل، واندثر حلم «الثنائية المسيحية». فإلى أين وصل الخلاف بين الطرفين بعد عام على العهد؟
يؤكد طرفا المصالحة أنه «لا يُمكن العودة إلى الأيام التي سبقت توقيع إعلان النيات»، لكن الأكيد أيضاً أن هذه المُصالحة لم تحقق الثمار المتوقعة. ففي وقت يركّز فيه العونيون على أن «عون كان سيصِل إلى بعبدا بمعراب أو من دونها»، رافضين منطق المحاصصة التي تطالب بها القوات انطلاقاً من «اعتبارات رئاسية»، يتهمون القواتيين بأنهم هم من يُصعّدون ويبدّلون في مواقفهم. وهذه نقاط ثلاث، تردّ عليها مصادر القوات بالقول إن «حظوظ عون كانت معدومة لولا جعجع. فقد أنقذ دخول الحكيم على خط الرئاسة عون من خسارة بعبدا التي كان الوزير سليمان فرنجية أقرب إليها حين دعمه الرئيس سعد الحريري». وتستغرب «نكران العونيين لهذا الدعم الذي دفعت القوات ثمنه في علاقاتها الداخلية والخارجية، لكنها ذهبت إليه اقتناعاً منها بضرورة المصالحة وإنهاء الفراغ الرئاسي». تفصل معراب بين عون وباسيل الذي «يتناسى كل هذه الوقائع ولا يمتلك فروسية الاعتراف بالجميل، ويتصرف وكأن القوات باتت عبئاً عليه. فيما لا يغامر بخسارتها خشية الذهاب إلى الانتخابات في ظل جو قواتي معبأ ضدّه».
وبالنسبة إلى الحصص، تشير إلى أن «الهدف من مشاركة العهد، كان إرساء معايير دستورية وقانونية، لكننا وجدنا أننا أمام واقع مرير، حيث كل من يجري تعيينه هو من لون حزبي واحد ولمصلحة المقربين من التيار». ورداً على اتهام القوات بتغيير موقفها، لفتت المصادر إلى «أننا حين أقدمنا على دعم عون، فعلنا ذلك على قاعدة أن يترجم الرئيس مقولة الجسر بين فريقي الصراع في البلد، لكن ما حصل بتفرد الوزير باسيل بسياسة البلد الخارجية خيّب أمل القوات وجعل العلاقة تضعف».
يتصرف العونيون من منطلق القوي. يُصرون على أن القوات «آخدة حقها وحبة مسك». مشكلتها أنها «راهنت على أمور يصعب الرهان عليها، كموقفنا الاستراتيجي من تحالفاتنا. وهو أمر مفروغ منه». حتى الشراكة التي تطالب بها «غير واقعية. فالقوات لها حجم يجب أن تتأقلم معه»، كما يجب أن «تتقبل الاعتبارات الرئاسية التي تحدثنا عنها في أكثر من محطة». تصف مصادر التيار العلاقة بعد مرور عام على انتخاب الجنرال بأنها «علاقة غرام وانتقام»، أو «زواج يستمر بالإكراه، لضرورات مسيحية ووطنية». ولا تنفي أن مشاكلها كثيرة وخلافاتها أكثر. الفرق الوحيد بين ما قبل المصالحة وما بعدها «أننا لم نعُد إلى نبش القبور، لكننا عدنا واختلفنا في كل شيء».