قد تكون من المرات النادرة التي يحضر فيها معلمو المدارس الخاصة بهذه الكثافة إلى مقر نقابتهم في يوم الإضراب. أمس، وفدوا بأعداد كبيرة، في مشهد لم يحصل منذ زمن بعيد. في السابق، لم يكونوا في حاجة إلى «النضال». كانت سلسلة الرواتب تطبق تلقائياً بفعل وحدة التشريع بين القطاعين التعليميين الرسمي والخاص المنصوص عليها في قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة الصادر بتاريخ 15/6/1956. هذه المرة، «استحقوها». فجأة، وجدوا أنفسهم وحدهم يخوضون معركتهم الخاصة المنفصلة عن أساتذة التعليم الرسمي.
فمنذ اللحظة الأولى لصدور قانون سلسلة الرتب والرواتب، تعالت أصوات أصحاب المدارس، بالإعلان الصريح والمباشر والفجّ برفض تنفيذه، وإلّا ففرض زيادة على الأقساط المدرسية. وهذه بالمناسبة معضلة مؤجلة لم تُحَلّ بعد.
المعلمون كسروا حاجز الخوف، رغم التهديدات التي رافقت إعلان الإضراب لجهة اتخاذ إجراءات صارمة بحقهم إذا لبَّوا قرار نقابتهم. كانوا هنا ليطالبوا النقابة بأن تكون المظلة الجامعة التي تحمي حقوقهم وتدافع عن مصالحهم وتصرّ على تنفيذ القانون في كل المدارس من دون استثناء، بصرف النظر عن القدرة المالية لأصحابها على الدفع أو لا، باعتبار أنّ المفاوضات الجماعية هي المهمة الأساسية للنقابة، وإلّا انتفى سبب وجودها.
يريدون، كما قالت إحدى المعلمات، أن يشعروا بأنهم مدعومون وغير متروكين لمصيرهم يواجهون أصحاب المدارس «باللحم الحي». برأيها، لا سبيل للحصول على الحقوق إلّا بالإضراب، وهو حق مكفول بالدستور وبقانون تنظيم أفراد الهيئة التعليمية.
وفيما بدا أن معظم المضربين والمشاركين في اعتصامات النقابة هم معلمون في المدارس الكاثوليكية، تلقى آخرون رسائل طمأنة بأن الحقوق ستصلهم حتماً، وأنهم سيقبضون سلفة على السلسلة من باب حسن النية، كما فعلت جمعية المقاصد، أو رسائل تهديدية بضرورة حضور الصفوف وإلا فسيحسم من أيام التعليم.
رئيس النقابة رودولف عبود قال إن «الإضراب بقي قائماً رغم التضليلات والتدخلات والمناشدات، البريئة منها وغير البريئة، إذ لم نتراجع قيد أنملة، ولم نقع ضحية ذرّ الرماد في العيون»، مشدداً على «أننا نقابة تمثل كل المعلمين، ولا يمكن أن نتقيد بمبادرة صادرة عن المدارس الكاثوليكية». وأكد «أننا لن نقبل إطلاقاً أن ينطبق على واقعنا المثل القائل: اسمع تفرح، جرب تحزن، إذ نسمع أصحاب المدارس يتحدثون عن حرصهم على تأمين العدالة والمساواة بين مختلفِ مكونات الأسرة التربوية، فيما يعملون في الوقت عينه على فصل التشريع وإلغاء القانون برمته أو على تفريغه من تقديماته». وسأل: «هل لدى بعض أصحاب المدارس حصانة أو سلطة ما، تتيحان لهم ترف انتقاء ما يلتزمونه من قوانين وما يرفضونه؟ وماذا بقي من قانون السلسلة، إذا جرى ربط تنفيذه بموافقة لجان الأهل على الموازنة المدرسية، ومن دون البنود التي اعتبروها خلافية؟». والبنود الخلافية هي: عدم توجب مفعول رجعي عن غلاء المعيشة، كيفية احتساب الزيادة للمتعاقدين، مسألة احتساب الدرجات الست، حقوق المتقاعدين من صُندوق التعويضات، و...تاريخ بدء سريان القانون.
عبود أكد «أننا مستعدون للجلوس إلى الطاولة مع من يفهم علينا ولا يستخفُّ بقوتِنا ووحدة صفوفِنا وعندَه الاستعداد للتجاوب المنطقي والعلمي والمحق». ولم يفصح عن الخطوات المقبلة إذا لم ينفذ القانون نهاية الشهر الجاري، مكتفياً بالقول بـ «أنها ستكون مؤلمة، فنحن شركاء في العملية التربوية ولسنا أُجرَاء».