وليد البُخاري. كل ما أجمع عليه عارفو هذا الرجل من صِفات وانطباعات، يكاد يكون عصارة لاسمِه وكنيتِه ودورِه. في وجهِه الكثير من معنى وليد «أي الصبي الحديث الولادة». بالنسبة إلى كُثر اجتمعوا هو «ذو ملامح طفولية».
وليد أيضاً يعني «العبد والخادم الشاب»، وهو مُرادف لما ذكره عدد من الشخصيات عنه بأنه «ليس إلا مأموراً ينفّذ كل ما يطلبه منه محمد بن سلمان»، فيما دبلوماسيته التي يُمارس قواعدها وأبجديتها بإتقان، تظهر كأنها «حرفة» متوارثة من عائلته المعروفة في المملكة بتولّي كثيرين من أفرادها مناصب عليا في الدولة، لا سيما في سفارات العالم.
ذاع صيتُ البخاري لبنانياً خلال الفترة القصيرة الماضية. منذُ أن عُيّن قائماً بأعمال السفارة السعودية في بيروت، بعد إحالة السفير علي عواض عسيري على التقاعد، وترقيته في ما بعد إلى رتُبة وزير مفوّض في وزارة الخارجية السعودية. آنذاك، ساد همسٌ بعض الصالونات السياسية اللبنانية، بين شخصيات خبِرت الرجل عن قرب، مشبّهة دوره بدور «غازي كنعان ورستم غزالي فترة ولايتهما في لبنان»، لجهة «لقاءاته السياسية، واطلاعه على كل التفاصيل وتدوين الملاحظات»، لكن «بشخصية مختلفة عن تلك التي عهِدها اللبنانيون في كنعان وغزالي»، إذ يتعامل «المستشار» مع ضيوفه بكثير من «اللياقة واللطف الزائد»، حتى إنه «غالباً ما يحرص على استقبالهم على باب منزله أو باب السفارة، مهما كان مركزهم».

من المقرّبين إلى قلب البخاري «الشيعة البيض» المناهضين لسياسة حزب الله

لا تغيب ابتسامة البخاري عن وجهه وكأنها خُلقت معه، فهو «دبلوماسي بالمعنى الحقيقي، مُخلص لدوره ويُجيد لعبه». لكن ابتسامته هذه لم تبدّل انطباع بعض الذين التقوه، ووصفوا وجهه بـ«البوكر فايس» الفاقد لأيّ تعبير حقيقي، إذ لم يستطِع هؤلاء «قراءة شيء منه»، خصوصاً أنه «قادر على اصطناع السرور مثلاً في أشدّ لحظات انفعاله، فلا يتناسب ما يقوله مع ما يضمره». حتى «تهذيبه الزائد يظهر في كثير من الأحيان كأنه مصطنع»، إلى حدّ وصفته إحدى الشخصيات بأنه «كان يعوّض على اللبنانيين التابعين للمملكة عن الهبات المالية بالضحك والسلام الحارّ». أغلب الذين جالسوه «لم يأخذوا منه حقاً ولا باطلاً. فهو قليل الكلام، إيجابي في طرحه لأيّ موضوع، حتى لو كان محدّثه من الخصوم».
منذ أن حطّ رحاله في لبنان، كان يسوّق لنفسه أنه «من جيل الشباب التابع للأمير محمد بن سلمان، وخادماً لسياساته وتوجّهاته»، مروّجاً أنه «من الحلقة الضيقة له». وقد شكّل غياب سفير سعودي في لبنان بالنسبة إلى البخاري فرصة استثمرها لتغذية سيرته الدبلوماسية في المملكة وفي لبنان، لا سيما قبل أن يطّل السبهان، فيخطف منه كل الوهج.
قلّما كان يمرّ يوم على البخاري من دون أن يلتقي فيه شخصيات سياسية لبنانية، أو مجموعات معنية بالشأن السياسي والاقتصادي والأمني كانت تخرج من مكتبه معجبة بالمُضيف «كمُستمع ممتاز». لكن البارز أنه كان «قليل الكلام في السياسة باستثناء أحاديث الساعة، فكان يستعيض عن قلّة خبرته فيها بتناول الأمور الثقافية والتاريخية والأدبية».
أول جواب يتبادر الى مسمع السائلين عنه هو أن «البخاري شخصية مثقّفة كثيرة الاهتمام بالتاريخ والأدب والشعر، وكثير الإعجاب بشكيب أرسلان كونه أديباً وشاعراً أكثر من كونه سياسياً». لكن غير المأخوذين بهذا الجانب فيه كانوا يرون أن شخصيته الثقافية هذه لم تكُن سوى «ستار يستخدمه لجمع المعلومات من باب اهتمامه بالطوائف، وهو الحافظ للتاريخ الطائفي في لبنان عن ظهر قلب»، حتى إنه «يعرف عن اللبنانيين أكثر من كثير من اللبنانيين». يقول أحد الذين مالحوا الرجل في جلسة عشاء أنه «كان يطلب من الحاضرين دائماً أن يذكروا أمامه صفات كل طائفة، وأدبيات كل منطقة من الجنوب إلى الشمال. وفي سبيل الاطلاع الزائد، حلّ ضيفاً في أكثر من منطقة، في طرابلس، في عكار، في صور، وفي البقاع». بحسب هؤلاء، يزعم البخاري أنه من محبّي «السيد موسى الصدر»، حتى إنه في غالبية جلساته كان مردّداً لمقولة الإمام المغيّب «لا تتقاتلوا. تعالوا إلى كلمة سواء»، وهو يتحدث عن «التنوّع الطائفي المولع به»!
على عكس شخصيته الهادئة، يحبّ البخاري المغامرة. طبيعة النشاطات التي يقوم بها في لبنان تؤكّد ذلك، فهو من «هواة الغطس، والتسلّق والقفز من أماكن عالية»، وأيضاً من محبّي الظهور، إذ تنتشر صوره على صفحته على فايسبوك، وتغريدات أدبية على تويتر الخاص به تحت هاشتاغ «مغرّدون». لكن ما إن خرج السبهان الى العلن، حتى ظهر الوجه الآخر للبخاري، فتحولت وظيفته من داع إلى الحوار والتلاقي، إلى صبي من صبيان السبهان، وانقلبت صفحته من مساحة لنقل أقوال الإمام الشافعي وعمر الخيام و«أخلاقيات المهنة الدبلوماسية» و«عشاق السلام»، إلى منبر لترويج التهديد والوعيد الذي يطلقه كلّ من السبهان ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
من هم أصحاب تلميذ جامعات الولايات المتحدة وموظف السفارة السعودية في ألمانيا سابقاً؟ وما هي الأحاديث السياسية القليلة التي كان يأتي على ذكرها؟ «غالبية السياسيين والناشطين السنّة هم من أصحاب البخاري» تقول شخصية بيروتية، من «سياسيين وأبناء عائلات وعشائر»، وكل من «ليس في حزب الله». المُتقن للغة الألمانية بطلاقة كان حريصاً على «إقامة شبكة علاقات واسعة من مختلف الطوائف»، ومن المقرّبين إلى قلبه «الشيعة البيض» المناهضين لسياسة الحزب وإيران، يتقدّمهم مصطفى فحص، نجل السيد الراحل هاني فحص.
خلال إقامته في لبنان «لم يظهر أنه يفضّل شخصية سنيّة على أخرى». في إحدى المرات سئِل عمّن هو الأقرب الى قلب المملكة فأجاب «أشكر الجميع، من الوزير عبد الرحيم مراد إلى الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق أشرف ريفي»، مضيفاً: «مثلهم مثل سعد الحريري، ولو تقدّم الأخير عليهم قليلاً». لكنه كان «معجباً جداً» بريفي «اللي ما يخالف المملكة بشي، مهما طلبت منه»!
يُعرف عن البخاري أيضاً أنه يهتم بلقاء الشباب، وقد طلب أكثر من مرّة «إقامة لقاءات تضمّ شباب سنّة يهتمون بالشأن السياسي». وكثر طلبه هذا تحديداً «في الفترة التي كان الرئيس الحريري فيها يعمّق علاقته بالتيار الوطني الحرّ والرئيس ميشال عون»، الأمر الذي فسّره العارفون، بعد إجبار المملكة الرئيس الحريري على تقديم استقالته، بأنه «كان مقدمة للبحث عن ورثة للشيخ سعد داخل الطائفة السنية»!