كلّ يوم يمرّ على وزير الاتصالات جمال الجرّاح في وزارته، يثبت فيه عزمه على ضرب هيئة «أوجيرو» وتفكيكها لمصلحة الشركات الخاصة، بما يحرم الدولة اللبنانية من موردٍ أساسي من مواردها، يعود عليها بأموالٍ طائلة من قطاع الاتصالات.
فلم يكتفِ الوزير بقراره ــ المطعون به أمام مجلس شورى الدولة ــ الرقم 365/1 تاريخ 11 أيار 2017، الذي أجاز بموجبه مجاناً ولفترة زمنية غير محدودة، لشركة «جي دي اس» (GDS) حق استعمال البنية التحتية العائدة لوزارة الاتصالات والمملوكة من قبل الدولة اللبنانية لتمديد شبكة من الألياف الضوئية إلى المنازل والشركات والأحياء، خلافاً للقوانين. كذلك أنه لم يكتف بأن يمنح قراره شركة «جي دي اس» 80 في المئة من عائدات المشروع، مقابل 20 في المئة فقط للدولة. وتبين أن الجرّاح يزوّد شركة GDS بالمواد والتجهيزات والمعدات وكوابل الألياف الضوئية والوصلات الضوئية الحرارية والفواصل الضوئية والعلب الضوئية وكل مستلزمات مشروعها لتمديد الألياف الضوئية، من مستودعات وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو في الدكوانة وبئر حسن!
طَلَب الوزير تسليم الشركة المخزون الذي تمتلكه الوزارة وهيئة أوجيرو في مستودعاتها، لا يعني إلّا قطعاً للطريق على «أوجيرو» وكل شركة أخرى، من التمكن من تنفيذ أعمال مشابهة تنافس فيها الشركة المذكورة. ويعني أيضاً شل «أوجيرو» عملياً وميدانياً عن إمكانية الاستمرار بتنفيذ مشاريع الفايبر إلى المنازل (FTTH) والفايبر إلى المؤسسات والأحياء (FTTX) التي تم إطلاقها في أوائل شهر تموز عام 2015.

تفاوت هائل بين
جداول الطلب وجداول أوامر التسليم


ما يعني عملياً، أن GDS حصلت بشكل يخالف القوانين على امتياز خارج الزمن لاستثمار شبكات محلية من الألياف الضوئية تمددها في مسالك البنى التحتية العائدة للوزارة، ومن خلال أوامر أعمال وأشغال ودراسات يقوم بها مهندسو «أوجيرو»، وبواسطة خرائط تعدّها «أوجيرو» ومعدات وكوابل وتجهيزات تسحبها من مستودعات الهيئة مملوكة من «أوجيرو».
وبعدما تبين أن GDS لا تمتلك أي معدات أو تجهيزات أو كوابل لتقوم بالمهمات والأعمال التي يتطلبها الامتياز الذي أعطي لها لتمديد الشبكة المحلية، تدحض إجراءات الجرّاح مقولة أن «الشركة المذكورة أعطيت الامتياز المشار إليه لأنها تمتلك الخبرة والمعرفة وتستطيع أن تقوم بأعمال تمديد الألياف الضوئية في الشبكة المحلية بسرعة أعلى من هيئة أوجيرو». وبذلك يكون الاعتداء على أملاك الدولة اعتداءين: تهريب وتسريب المال العام والممتلكات العامة أوّلاً، ثمّ إفقار المرفق العام والتسبب بتوقف عمل المؤسسة العامة القيّمة عليه ووضعها بموضع العاجز عن القيام بمهماته!
ويتبين نتيجة المقارنة بين الكميات المطلوب تسليمها إلى شركة GDS حسب ورودها في الجدول المرفق بإحالة الجراح (Site : Hamra FTTH 1)، بناءً على اقتراح وتوقيع المدير العام ناجي أندراوس ورئيس مصلحة دروس الشبكات فؤاد ضومط، بتارخ 15/9/2017 من جهة، وبين الجداول الواردة في أوامر تسليم المواد الموقعة من قبل رئيس هيئة أوجيرو عماد كريدية بتاريخ 20/9/2017، والموجهة إلى وكيل مستودعات هيئة أوجيرو في الدكوانة من جهة أخرى، تفاوت كبير في الكميات، لجهة مضاعفتها أضعافاً عديدة.
وبدل طلب الجراح تسليم GDS كمية كوابل ألياف ضوئية سعة 288 فيبرة بطول 610 أمتار، يقوم كريدية بتسليم مواد بطول 2000 متر، وبدل كوابل ألياف ضوئية سعة 144 فيبرة بطول 150 متراً، يتمّ تسليم 2000 متر أيضاً، وبدل كوابل ألياف ضوئية سعة 96 فيبرة بطول 115 متراً، وهكذا دوليك، عدا عن أعداد الفواصل الضوئية المضاعفة.
كما يظهر في أسفل أوامر تسليم المواد (SII MATERIALS)، الصادرة عن كريدية، في الخانة المخصصة لاسم الفرع أو المركز والمديرية أو القطاع في الهيئة الذي تعود له أكلاف هذه المواد اسم شركة GDS، وتحت رمز الطالب 07-01. ما يعني أن «أوجيرو»، باتت تتعامل مع GDS كواحدة من المديريات الداخلية للهيئة، وأن أكلاف أعمالها تدخل ضمن مصاريف الهيئة ومحاسبتها. وهنا تقع مخالفة مالية ضخمة لا تتوافق مع النظام المالي للهيئة، ولا مع أنظمة المحاسبة العمومية المتعلقة بإدارة المواد المملوكة من الدولة اللبنانية، ولم يوافق عليها رئيس جهاز الرقابة الداخلية في الهيئة حسن التقي، ولم يوافق عليها ديوان المحاسبة، ولم يطلع عليها التفتيش المالي لدى هيئة التفتيش المركزي الذي تخضع له «أوجيرو».
تسليم هذه المواد من مستودعات الوزارة و«أوجيرو» يرتب أعباء مالية على الإدارة، تنفق وتصرف من المال العام من دون أي مراعاة للأصول المالية وللنظام المالي لـ«أوجيرو» ولقانون المحاسبة العمومية، بل تراعي حصراً مصلحة GDS، وتوفر عليها تحمل هذه النفقات.
وهنا، لا بدّ من طرح عددٍ من الأسئلة: كيف تم احتساب هذه الأكلاف وبناءً على أي لائحة أسعار؟ كيف يمكن للمديرية العامة للإنشاء والتجهيز في الوزارة أن تحدد هي أسعار المواد التي لا تملكها، بل تعود ملكيتها لـ«أوجيرو»، وموجودة في مستودعات الهيئة وقد تم شراؤها من قبل الهيئة ومن ضمن استدراجات للعروض قامت بها الهيئة واستوردتها من الخارج مع تحمل أكلاف الاستيراد؟ هل وزارة الاتصالات أصبحت تبيع للشركات المواد التي تشتريها أصلاً وتستوردها من الخارج؟ هل قبضت وزارة الاتصالات ثمن هذه المواد قبل تسليمها إلى الشركة، وبناء على أي آلية مالية ومن هي الوحدة الإدارية التي قبضت هذا الثمن؟ وهل قبضت «أوجيرو» ثمن هذه المواد قبل تسليمها إلى الشركة المذكورة، وكيف يمكنها أن تقبض هذا الثمن، وهل يسمح لها بذلك نظامها المالي؟ وأخيراً، هل تم عرض الموضوع مسبقاً على ديوان المحاسبة لأخذ موافقته على هذا الإجراء، أو أخذ رأيه بشأنه؟ أم أن الجرّاح بات يعتبر «أوجيرو» وموجوداتها ملكاً خاصاً، وباستطاعته التصرّف بموجوداتها كيفما شاء في سبيل ضرب واحدة من أقوى المؤسسات العامة التي تعود بالمال على الدولة اللبنانية، الغارقة في الدين أصلاً؟